فلسفة القيم (2)

المفكر المصري العظيم د. سيد القمني

فلسفة القيم (2)

نحو إصلاح القيم: (2)
فماذا عن الأقباط؟!!
الداعية الكبير الشيخ الدكتور يوسف قرضاوى و يلقب بالفقيه المعتدل،و هو مرجعية شئنا أم أبينا لمعظم تيارات المد السلفى السياسى، و يراه بعضهم الرجل الثانى من محركات الصحوة الإسلامية، و قوتها الدافعة، بعد المغفور له سيئاته الشيخ متولى شعراوى، إضافة بالطبع الى جماعات التربح الأخرى من عينة العلم و الإيمان و الدعاة الجدد و دعاة الفيديو كليب و فضائيات الفتاوى التيك آواى و بنوك التقوى و جماعات الأمر بالمعروف و الجهاد و القاعدة ..الخ. كل هؤلاء يعتبرون قرضاوى مرجعية لهم ، و هو مايعنى موافقتهم جميعا على فكرة أن الإسلام دين و دولة، و أنه لا وطن له حدود لبلاد المسلمين فدولتهم هى العالم كله. لكن مع ذلك يبدأالشيخ بمصر الوطن ذات الحدود التاريخية و المنظومة المدنية الحديثة، حيث سيطبق الشريعة إن شاء الله،رغم وجود مصريين غير مسلمين يعيشون فى هذا البلد.
لكن المرجع الفقهى الكبير يعلم تلك العقبة الكؤد ، فيضع لنا حل المشكلة ، فيقول فى فضائيته فى برنامج الشريعة و الحياة ، حلقة ( الدستور و مرجعية الشريعة ) :
” إذا كان بلد فيها أغلبية مسلمة وأقلية غير مسلمة , الأغلبية المسلمة فرض عليها من ربها و دينها أن تحكم شريعتها , هل مطلوب من الأقلية غير المسلمة أن تمنع الأكثرية المسلمة من الاحتكام إلى أحكام الشريعة؟ هذا معناه أن الأقلية تفرض الديكتاتورية عللى الأكثرية.. وإذا كنا سنحكم منطق الديمقراطية, فالأغلبية هي التي تحكم.. و الذين يثيرون هذه الضجة أقلية هم العلمانيون, و هم قلة قليلة في بلادنا لكن لهم ضجة كبيرة , لأنهم يملكون المنابر الإعلامية و الأبواق الإعلامية “.
يصر المحاور على ألا يروغ الشيخ منه , فيعود يسأله :”هل في مرجعية الشريعة فعلا تمييز ضد غير المسلمين؟ ” يجيب الشيخ رمز الصدق و العدالة و الوسطية بقوله: “لا يوجد قط في مرجعية الشريعة ما يتعارض مع عقائد هؤلاء القوم.. الإنجيل لم يأتي بتشريع إلا في عدم الطلاق , إنما يعتمد على تشريعات التوراة .المسيحيون لا يعتمدون على تشريع ديني , إنما يعتمدون على التشريعات الوضعية التي تأتيهم من أوروبا .الشريعة فريضة علينا نحن , فنحن نأخذ هذا على أنه دين . المسيحيون كالأقباط في مصر يأخذونه ( أي الشرع الإسلامي) على أنه قانون ,كما قبلوا قانون نابليون أو القانون المستورد من أوروبا, لماذا لايقبلون القانون في الإسلام ؟! ثم أن الأحكام الإسلامية الشرعية هي بنت بيئتنا يعني مش جايبينها من برة ,هذه الأحكام صادرة من تراب هذه المنطقة … و لأنه لا يمكن أن يأتي في شريعة الإسلام ما يعارض عقائد الأخرين الدينية , .. فبناء عليه لا بد أن تراعي الأقلية غير المسلمة مشاعر الأكثرية المسلمة حتى لا تؤذي المشاعر و تحدث الفتن /حلقة الدستور و مرجعية الشريعة /الجزيرة “.
لو كان هذا الشيخ يؤمن حقا و صدقا أن الله حق و أن الإيمان به حق , و أن من دواعي هذا الإيمان التزام الحق , ما قال ماقال ،و لعل مثل هؤلاء النماذج و المثل، هم السبب لما نراه في الشارع المسلم من انهيار كارثي في القيم الأخلاقية . و تعالوا معي نرى شيخا بهذا الحجم و هو يقول كلاما يؤاخذ عليه دينيا و أخلاقيا.
كلام قرضاوي يعني أنه علينا جميعا أن نرفض مصر و طنا و أما و عشقا و أملا يجمعنا , لأن فكرة الدولة الوطنية القومية هي من أوثان الاستعمار . لقد غاب عن الشيخ أن مصر كانت دولة وطنية قومية و أمة بالمعنى العلمي التام للتعريف, قبل أن تظهر النزعات القومية الأوروبية, وقبل أن تقوم لروما أو فارس امبراطوريات, و قبل أن تقوم للعرب امبراطورية خلافية , و أنها قد حددت لنفسها حدودها منذ استقر فيها أولادها الأوائل , و هي هي ,مصر التي تحتضن كل الملل و النحل و الأعراق , و كان هذا هو سرها العميق الذي اكتشفته الولايات المتحدة الأمريكية في مقاربة تاريخية مذهلة (مع أخذ الفارق الزمني وأثره بالاعتبار بالطبع ).
أن مصر ليست بانتظارالشيخ قرضاوي و أخوانه القدامى العتاقى أو الجدد الشبابى ليقيموا لها دولتها , فدولتها قائمة ماكينة شغالة من ما قبل التاريخ لم تتوقف يوما عن الوجود و الأداء , جاء اليونان وهي تعمل و هي هي مصر وجاء الروم وخرجوا وهي تعمل وهي مصر،وجاء قمبيز والفرس وهي تعمل وهي مصر, و جاءها الغزو العربي و هي تعمل و هي مصر, وما دام الشيخ يتحدث عن النظم الأصيلة بنت تراب المنطقة فلماذا لا يعود زيادة في الأصالة نحو ما هو أكثر أصالة و اقتداراً؟
المشكلة أن صاحب الفضيلة يرذل الوطنية و القومية بحسبانها مبتدعات الغرب الحديث الكافر فيرى الوطنية نعرة كافرة واردة مع الاستعمار الغربى و أنها و الفكرة القومية هى من الأوثان /كتابة الإخوان/ص 19،80 , ومع ذلك يحدثنا عن الأكثرية و الأقلية , وهي مفاهيم و مصطلحات لا علاقة لها بدين من الأديان , بقدر ما هي مترتبة على الصيغة المجتمعية لعقد الدولة الحديثة القائم على المواطنة المدنية أو العلمانية . فما لقرضاوي و تلك المفاهيم و هو يرفض كل ماتنبته تربة ذلك الغرب الوثني؟! ثم متى كان للأكثرية قيمة في تاريخ قرضاوي العربي ؟ لقد كان دوما و أبدا مع الأقلية المطهرة في مقابلة الأكثرية الآثمة : “و ان تطع أكثر من الأرض يضلوك، لن تغنى عنكم فئتكم شيئا و لو كثرت/19/الأنفال، و كثير منهم ساء ما يعملون/66/المائدة، قل لا يستوى الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبث/100/المائدة”. فلماذا لايكون طائعاً لمحارم دينه و يقف في صف الأقلية و لو مرة؟
إن قرضاوي هو و إخوانه و ميليشياته عندما يقوم بعملية تهجين لمفاهيم بدوية عتيقة بنت قرون طويلة مضت و بين مفاهيم مدنية حداثية , ليتخذوا موقفهم الرافض للمواطنة ووجوب سادة الطائفة الاسلامية لشرائعها على بقية ملل و نحل الوطن, اعتمادا على مبدأ الاكثرية و الأقلية يصل إلى مسخ شائه لاعلاقة له بوطن و لا بدين و لا بأصالة و لا بمعاصرة , يصل إلى نتائج مضللة حيث تصبح الأغلبية أغلبية بدينها الذي لم تصنعه و انما ولدت داخله, وهو ما لا علاقة له بالأغلبية بالمعنى السياسي الذي تقوم عليه الدول , لأن الأغلبية و الأقلية في المفاهيم السياسية هي نصاب سياسي , فيجوز للمواطن الأنتقال بينهما و هو المستحيل بين الطوائف , و يمكن تحول الأقلية إلى أكثرية أو العكس , وهو أيضا ما لا يتوافر في الطوائف , كذلك يمكن أن تحكم الأقلية الأكثرية إذا فاز مرشحيها و هو ما ترفضه مدرسة قرضاوي المعتدل جملة و تفصيلا و بداية و نهاية و قولا واحدا. هذا بينما يجعل التعدد في العلمانية ميزة لا نقصا هو ذلك السماح و التسامح الذي تقبله الأقلية و الأكثرية بحرية انتقال المواطنين بينهما في فضاءات حرة من أي خطوط حمراء ودونما تجريم وتكفير و تخوين , فهي اختيارات كلها محترمة في نظر المتصارعين سلميا.
هذا بينما لو طبقنا تلك المفاهيم المحدثة على أى مرجعية دينية لابد أن تكون النتائج ما يحدث في العراق, و يكون الخصام والكراهية و المذابح كما في السودان،و التمزق و الحرب الضروس فى أيرلندا و دويلات أفريقيا،و لا يبقى سوى صراع التعدد المدني هو الوحيد ضامن التوحد و القوة , بينما يكون صراع التعدد الطائفي هو مزيد من الدم والتخلف و الاقتتال و الدمار بدلا من التلاحم تحت راية الوطن الواحد .
ترى هل ما يقوله الدكتور القرضاوي هنا , هو لون من الهزل ؟ بالطبع هذا لايصح مع حجم الرجل فلا شك أنه يعنى ما يقول . و أنه ليس لديه أي سوء فهم للموقف لكنه يصور نفسه و قد انحاز للمبدأ الديمقراطي , و ما كانوا يفعلون ذلك, لولا أنه مبدأيستحق الانتساب إليه عزة و كرامة , ثم يكرسون الأكثرية الطائفية أمام أقليات غير مسلمة , في سيناريو ,لا فيه حق و لا معه عدل و لاهو قول صادق . هو جريمة كاملة في حق العقل المسلم الذي تمت قولبته و زرع بفيروسات الواحدية المصمته,فلم يعد يرى سوى أن الحق واحد وهو ما لدى المشايخ ( لكنه لا يعترف بذلك و أن ذلك منطق امبراطوريات ذلك الزمان لا يعيب الإسلام و لا يشينه).أما الفاجع فهو ألا يواجه رجل الدين رعيته بصدق و شفافية , ألا ترونه يقول بالقطع: لا يوجد قط في مرجعية الشريعة ما يتعارض مع عقائد هؤلاء غير المسلمين”!!إذن لماذا المسلمون مسلمون و لماذا المسيحيون مسيحيون؟ و لماذا السنة سنة و لماذا الشيعة شيعة ؟ و لماذا لم يتحول الجميع لللإسلام مادامت الشرائع واحدة ، أو لماذا لم يتحول المسلمون إلى أي دين آخر و خلاص مادام الحكاية فى بيتها وآهو يبقى زيتنا فى دقيقنا ؟!
إن الشيخ يعلم أن مرجعية الشريعة بشأن غير المسلمين هي القسوة المفرطة و الصغار و الإذلال , و مع ذلك يقول ما قال بشديد البساطة ويطالبهم بالخضوع للقانون الشرعي الإسلامي كما سبق و قبلوا بالقوانين الأوروبية ؟ الشيخ يدرك الفرق الفادح بين قانون طائفي يميز في كل شأن بين أبناء طائفته و الطوائف الأخرى , وبين قانون مدني نضعه بأيدينا حسب صالحنا العام و نغيره بأيدينا عندما تجد المستجدات، بعكس القانون السماوي الثابت الواحد الذي لا يتبدل و لا يتغير .
و لا يرى الشيخ أن هناك مشكلة في تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين , المشكلة فقط في العلمانيين الذين يثيرون هذه المشكلة و هم أقلية, لكن لهم ضجة كبيرة بما يملكون من وسائل الإعلام !!
تعالوا نصدق هذا الكلام جدلا أو خبلا, فلمذا ينزعج قرضاوي من الأقليةو العلمانية , و قد اعتاد هو و فريقه عبر تاريخم عللى عدم وجود شيئ اسمه الأقلية , فالأقلية خاضعة للأغلبية في كل شأن و كل فكرة وكل ضمير حتى جعلوهم كالماعز , ثم ألم يكن المسلمون الأوائل هم الأقلية عندما فتحوا بلاد غيرهم؟ و ظل المسلمون أقلية أرستقراطية حاكمة في تلك البلاد قرونا طويلة . كانوا أقلية و تسيدوا على الأغلبية بالسيف و الحديد و النار.
ان من وضع القانون يجب ان يبدأ به نفسه حتى نحترمه و حتى لا نظنه نصابا مصابا بالحول الفكرى ، و بالعمى فى الضمير، و بالضلال فى البصيرة .
لقد قال الشيخ وسط سيل مقولاته كلمة حق و هى اننا كعلمانيين رغم عدم امتلاكنا اى وسيلة للوصول إلى الإعلام , إلا عند دعوتنا لمحاصرة بعضنا فى الجزيرة او غيرها ، كان العلمانيون يحرزون فى هذه الفلتات سبق السبق ، نعم برز العلمانيون عندما كنتم تستدرجونهم لتهونوا من شأنهم، برزوا رغم الحصار الظالم و التهديد بالذبح و التعتيم الاعلامى و التشنيع و التخوين و الطعن فى الاخلاق ، مع كل هذه الحملة أصبح العلمانيون موجودين ملء السمع و البصر بعد أن أثبتوا وجودهم، ولأن لديهم شيئا يريده الناس ليس موجودا عندكم يا أصحاب الفضيلة ،عندهم منطق متماسك و قيم محترمة و مبادىء راقية نظيفة لا ترتزق على حساب الناس و لا الوطن و لا الدين.
الناس يستمعون الينا لأننا نحترم حقهم فى الحرية و فى تفهم ما شاءوا،لا نطلب منهم سمعا ولا طاعة بل مشاركة حوارية للجميع فيها حقوق متساوية ، حرية مشاع دون تكفير و تخوين و تجريم، فالرأى بالرأى ،و الحجة بالحجة، مع ضمان حرية الاعتقاد و حماية هذا الحق لأصحابه و تحقيق الشعائر و اداء العبادات فى حماية القانون. هذا ببساطة ما يريد العلمانيون الذين هم سبب مشاكل قرضاوى و فريقه.

د. سيد القمني

2007 / 7 /23

#سيد_القمني (هاشتاغ)

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *