مستقبل الدولة الدينية- هل فى الإسلام دولة ونظام حكم ؟
تأسيس جدلي : _
يبدو أن الإجابة على السؤال عنوان هذه الورقة ، أمر محسوم بالإيجاب من قبل كل المشتغلين بالشأن الديني الإسلامي ، و يلخص الدكتور يوسف القرضاوي ـ الملقب بالفقيه المعتدل ـ الموقف بقوله : ” إن إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله و تجمع المسلمين على الإسلام و توحدهم تحت رايته ، فريضة على الأمة الإسلامية يجب أن نسعى إليها . . و على الدعاة إلى الإسلام أن يعملوا بكل ما يستطيعون للوصول إليها ، و ان يهيئوا الرأي العام المحلي و العالمي لتقبل فكرتهم و قيام دولتهم / الصحوة الإسلامية بين التطرف و الجحود ص 222 ، 223 ” .
و عليه فإذا كانت إقامة الدولة المسلمة فريضة لتحكم بشرع الله ، فلا شك أن هذا الشرع قد وضع لهذه الدولة الأصول و الضوابط الكاملة التامة الجامعة المانعة نظراً لمصدرها الإلهي ، و أنه قد وضع لها نظام الحكم وطرق تبادل السلطة ، مع شرح و بيان و تفصيل لدستور الدولة و مؤسساتها و عوامل نهضتها و قوتها . و لكن إذا لم نجد أي إشارات من أي نوع أو لون لهذه الدولة المطلوبة في إسلامنا ، و هو ما نزعمه و نضع له البينات تلو الأخرى عبر سلسلة موضوعات تناولت فكرة الدولة الإسلامية ، و هو ما سنضيف إليه جديداً هنا يؤكد أن الله لم يبين للمسلمين ولم يطالبهم بإقامة دولة إسلامية . و مع ذلك يجعلها مشايخ الصحوة الإسلامية فريضة إلهية ، بما يعني أنها تكليف ديني للعباد من رب العباد لإقامة دولته الإلهية على الأرض ، و هو ما سيدفع السؤال للبروز : كيف يكلفنا الله بما لم يبينه لنا ؟ فإذا لم يبين الله لنا ضرورة إقامة دولته و شكلها ملكي أم جمهوري أم أي آخر ، فإن دعوة الشيخ قرضاوي و زملائه من إخوان مسلمين و أزاهرة و دعاة و فقهاء ، تكون افتئاتاً على دين المسلمين و كذباً عليهم و افتراء على قرآنهم و سنتهم ، من أجل الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد مع استخدام الدين انتهازياً و نفعياً ، و هو لون من التبخيس و الازدراء للدين ، حتى يظهر غير قادر أن يدفع عن نفسه إستخدام كل من يريد ، من أجل ما يريد من مصالح و منافع دنيوية بحت .
و الغريب أن السادة العاملين بحقل الدعوة الإسلامية يجمعون بين ما لا يأتلف و لا يجتمع ، فالدولة لا تقوم إلا فى وطن ، أرض ذات حدود ثابتة واضحة ومجتمع يعيش على هذه الأرض بالتحديد ، اللغز يلتبس عندهم عندما تجدهم يريدون دولة و رغم ذلك يعتبرون فكرة الوطن فكرة أوروبية استعمارية مستوردة ، و يسخر الشيخ قرضاوي هو نفسه منها و يسميها رابطة التراب و الطين التي لا تعلو على رابطة الدين العظيم ، بل و يزعم ” أن الإنسان يضحي بنفسه من أجل دينه ، و يضحي بوطنه من أجل دينه ، فالدين مقدم على الإنسان / حلقة الظاهريون الجدد . الجزيرة ” . و حل اللغز يكمن في فكرة التمكين ، و هو الفكرة القائلة بأنه يوم يتم تمكين المسلمين من إقامة دولة إسلامية في آي مكان ، فسوف يكون تمكيناً كتمكين المهاجرين من سيادة يثرب ، و منها تنطلق عزمات المسلمين لاحتلال الأرض كلها كي تدين بالإسلام ، لذلك لا حدود وطنية للدولة المسلمة ، فأرضها هي العالم كله ، عالم بلا حدود ، ومن هنا ساغ للشيخ أن يقول ” ليس بمجتمع مسلم ذلك الذى تتقدم فية العصبية الوطنية على الأخوة الإسلامية حتى يقول
المسلم وطنى قبل دينى …. وأن دار الإسلام ليس لها رقعة محددة / كتابة ملامح المجتمع المسلم الذى ننشدة/ مكتبة وهبة / 2001 ص 86 ، 24 ، 57 ، 80 .” لذلك كان الشيخ شديد الصراحة فيما يتعلق بمفهوم المواطنة إذ يقول ” فى واقع مصر والعالم العربى .. شجع المستعمرون النعرة الوطنية هادفين إلى أن يحل الوطن محل الدين وأن يكون الولاء للوطن لا للة وأن يقسم الناس بالوطن لاباللة ، ان يموتوا فى سبيل الوطن لافى سبيل اللة / كتابة الإخوان المسلمون/ مكتبة وهبة / 1999/ ص 19 ، 20 .
يعود السؤال يطرح نفسه : كيف يكلفنا الله بإقامة دولة دون أن يشير إلى ذلك لا في القرآن و لا في الحديث النبوي ؟ أن الصحوة الإسلامية بدعوتها لإقامة دولة تعني حرباً عالمية على الجميع ، لأنه إذا ما صدقنا أن الإسلام دين و دولة ، و أن الإسلام دين عالمي ، فستكون النتيجة أن العالم كله هو دولة الإسلام . و هو مأزق شديد الصعوبة يضع جميع المسلمين في حالة خروج و عصيان جماعي على الشريعة الدولية ، و يزيد من ضعف شأنهم و تخلفهم نتيجة عدائهم و خصامهم و كراهيتهم للنظام الغربي بمنجزه العلمي و الحضاري كله .
هنا نسأل سؤالاً عملياً هو : كيف لنا أن نوجه خطاباًً ليبرالياً يحترم الإسلام و يقف على أرضه و ينافح عنه ، يقوم بمصالحته مع الحداثة بإعادة قراءته قراءة علمية محايدة مدققة . و كيف نكتسب القارئ المسلم العادي ( فما فوق ) للاستماع لما نطرحه عليه و الاستمرر في هذا الاستماع ، بل و ربما السعي وراءه .
إن فكرة المؤامرة التي تسيطر على العقل العربي و المسلم تجعل الفرد غير قادر على تجاوز حاله الراهن ، لأنها لا تجعله يرى ما بيد الآخرين من وسائل التقدم و الرقي ، لأنهم أعداء ( و عادة ما تكرس هنا و تعاد حكاية الاستعمار الحديث و أمريكا و إسرائيل ) ، و للاعتقاد بأن ما بيدنا في إسلامنا فيه كفاية و غنى عن رؤية أى مختلف أو جديد ، لأن مصدره الإلهي يضمن كماله التام .
تحت هذه المظلة كيف يمكن أن نوجه خطاباً عقلانياً للمسلم ، و نموذجنا في هذه الورقة هو ( فريضة إقامة دولة إسلامية ) ؟ كيف يمكن دحض هذه الفكرة ؟
هنا علينا تذكير المسلم أن قريشا قد عرضت على النبي محمد ( ص ) في بداية دعوته أن يكون ملكاً عليها ، فرفض صيغة الملك كوسيلة للسلطة ، و أصر على أنه نبي رسول و عبد من عباد الله مكلف بإبلاغ أمر الدين ليس أكثر ، جاء يبلغ الناس دين الله حسبما أمره ربه ، بل و رأى في الملك صورة سلبية من صور السلطة فقالت الآيات القرآنية إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة .
الملحوظة الأهم هي أنه لو كان محمد ( ص ) يرى في نفسه ملكاً مقيماً لدولة لاستخلف بعده من يقوم بالرئاسة لهذه الدولة ، و هو ما لم يفعل ، لقد بلغ المطلوب منه تبليغه ، رسالة الدين ، وعدا ذلك لم يشغله لأنه ليس من الدين في شئ .
الملحوظات الأكثر أهمية أن خلفاء النبي المباشرين في القيادة و الزعامة و المعروفين في تاريخنا بإسم الخلفاء الراشدين ، حكموا بضميرهم الشخصي و باعتبارهم كانوا صحابة النبي الأقربين ، مع علمهم أنهم لا يحكمون في دولة و وطن له حدود واضحة وأرض ذات صفات بيئية بعينها . كانوا يعلمون أنهم زعماء قبيلة يحكمون باسم السلطة و القوة و الإنتصار العسكري ، و أنهم قد ورثوا تلك الزعامة القبلية علي بقية القبائل عن النبي المؤسس . كانت شكلاً بدائياً لدولة تولد و لم تكتمل ملامحها ، و لا شكلها ، و لا نظامها ، و لا دستورها ، و لا مؤسساتها ، و لا قانونها و سبل تفعيله ، و لا فلسفتها الأخلاقية و السياسية و لا أجهزتها الرقابية و المحاسبية. و لم تكتمل تلك الدولة من يومها و حتى اليوم ، لأنها ولدت في مجتمع مشرذم قبلي بدوي لا يجمعه وطن لأنه متحرك أبداً ، و في مجتمع كهذا تكون الدولة بما تعنيه لنا اليوم شيئاً غير مفهوم لهم بالمرة. كانت المسألة هي حسبما ورد في معجم العربية ( السيادة و التمكين و الرئاسة و الأمر و السلطة ) ، و هي كلها مصطلحات عرفها العرب و لكن بعيداً عن مفهوم نظام الحكم في دولة .
لذلك تولى كل من الخلفاء الراشدين الحكم بطريقة تختلف عن الآخر ، و أدار كل منهما شئون الرعية بطريقة تختلف بالكلية عن الآخر ، فالحقوق في عهد الخليفة أبي بكر غيرها في عهد عمر غيرها عثمان غيرها عند علي ( رضي الله عنهم ) ، فيينما ساوى أبو بكر في العطاء و مات مسموماً في روايات فقد فرق عمر هذا العطاء تناسباً مع منازل الناس و مكانتهم و مات مقتولاً ، و بينما امتنع كلاهما عن الاستفادة الشخصية البازخة من بيت المال فإن عثمان سمح لنفسه بذلك و مات ذبيحاً بيد الصحابة ، و قد تولى أبو بكر الحكم استناداً لتكليفه بإمامة الصلاة في مرض النبي الأخير ، و تولى عمر بطريقة جديدة فقد استخلفه أبو بكر ، و تولى عثمان بطريقة ثالثة عبر ترشيحه ضمن ستة اختارهم عمر عند موته ليختاروا واحداً من بينهم ، و بينما بايع بعض المسلمين الإمام علي امتنع آخرون عن بيعته و حاربوه حتى سقطت خلافته بمقتله.
و كلنا يعلم أن الإسلام عندما كان يهتم بشأن لا يتركه إلا مفصلاً واضحاً أبيضاً بشديد الدقة و التدقيق ، فالصلاة ، و عددها في اليوم ، و مواعيدها ، و عدد ركعتها ، و سجداتها ، و ماذا يقال فيها ، و قبل و بعد ، و التهيؤ للصلاة بالنظافة من الوضوء و إسباغه و طرقه و غسيل اليدين للمرفقين و الرجلين للكعبين ، و قبل الوضوء الاستنجاء أى دخول الغائط و التنظيف بأحجار لها مواصفات و عددها ثلاثة ، كل هذه التفاصيل في شأن تعبدي واحد فما لنا لا نجد عن الحكم و الدولة شيئاً يذكر البتة ؟ ! لماذا لم يشرح الله لعرب الجزيرة شأن الدولة بدقة ، و هو عالم أنهم جهلاء و أن نبيهم أمي ؟ لماذا لم يبين سبل تبادل السلطة ؟ و لماذا لم يرسل لهم دستورها و كيف تتشكل الحكومة ، و أجهزتها الرقابية و القضائية ، و درجات المحاكم ، و شكل اقتصادها حر أم موجه أم مزيج ؟ إن السماء لا تعبث فهي عندما تكلفنا بشأن فهي تبين كل جوانبه كما في التكليف بالصلاة ، و مع ذلك يقول مشايخنا أن إقامة الدولة الإسلامية فريضة تكليفية بينما لا نجد في القرآن أو السنة أى فلسفة للدولة ، و نظم الحكم ، و المراقبة ، والمحاسبة الحكومية ، و الشعبية ، و دستورها ، و قيم هذا الدستور . . . إلخ .
و قول دعاة الدولة الإسلامية ، أن دولة النبي كانت دولة بالمعنى الكامل الذي نفهمه منها اليوم ، و كان دستورها هو القرآن الكريم ، هو قول يفتقر إلى الدقة ، بل إلى الصواب بالمطلق ، لأن للدستور شأن يختلف عن القرآن ، فمعظم نصوص الوحي ظنية الدلالة كما قرر الأصوليون و جمهور الفقهاء ، و هي الأشكالية التى حاول الجويني ثم الشاطبي حلها بالركون إلى المقاصد الكلية للشريعة بدلاً من الوقوف عند حرفية النص القرآني . و يقول الشيخ جلال الدين السيوطي : ” و قال بعض العلماء أن لكل آية ستون ألف فهم ” ، فإذا كان النبي فى زمنه موجوداً و يستطيع أن يحيل إلى الفهم الصحيح من بين الستين ألف فهم ، فمن يستطيع اليوم أن يحل محله عندما نجعل القرآن دستور دولتنا ؟
هذا ناهيك عن كون نصف آيات القرآن الكريم منسوخة و نصفها ناسخ ، و فيها المحكم و المتشابه ، و هو كله أمر احتاج بالضرورة إلى وجود النبي بين الصحابة لعلاقته بالسماء التى كانت تتدخل لحل المشاكل المستجدة ، أما شأن الدستور المدني و الأهم هو قابليته للتطبيق دون اختلاف ، لأن كلماته يجب أن تكون صارمة دقيقة واضحة لا تحتمل أكثر من دلالة و فهم واحد ، و إذا تم إلغاء بند من بنوده يزال من الدستور و لا يبقى فيه منسوخاً .
و تقفو الملحوظات المندهشة بعضها بعضا ، فقبل الإسلام بقرون طويلة كان إفلاطون قد انتهى من كتابة ( الجمهورية ) ، وانتهى أرسطو من وضع فلسفة السياسة و أحولها ، و قبل الإسلام بقرون طويلة طبقت أثينا نظام الدولة الديموقراطية المباشر ، و طبقت روما ديموقراطية تقوم على حقوق المواطنين عبر مجلس الساناتو ، و مواد الدستور و سيادة القانون ، و لا شك أن المسلم يؤمن أن الله كان يعلم كل هذا ، لكنه لم يحدثنا فيه و لا أشار إليه و لا أتخذ منه موقفاً ، مع ملاحظة أن الإسلام قارن بين الإسلام و الأديان الأخرى ، و اتخذ منها موقفاً سلبياً أو إيجابياً ، لكنه لم يقل أن لديه دولة و إلا لقارنها بالدول الأخرى مبيناً فضل دولته و تميزها عن غيرها ، كما قارن بكثير من التفاصيل الواضحات القاطعات بين الأديان لبيان فضل الإسلام على غيره من أديان . و لو أراد لنا أن نقيم دولة إسلامية ، و ألا نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى السياسية ، لكان عليه أن يحذرنا من افلاطون ، و أن يندد بدستور روما ، و يهجو سياسة ارسطو . و لكن كل ذلك لم يكن وارداً لأن الإسلام كان ديناً فقط . و نلحظ بشدة أن القرآن قد تحدث عن ذي القرنين الثابت لدينا أن المقصود به هو القائد اليوناني إٍسكندر بن فيليب المقدوني ( انظر كتابنا الأسطورة و التراث ) ، و معلوم أن الأخير كان تلميذ الفيلسوف أرسطو ، و لم يتم التنديد بأرسطو و فلسفته و لا بربيبه ذي القرنين الذي تسنم ذروة عالية في الإسلام ، حتى كاد يكون مثل موسى ( ص ) كليماً لله .
الحاكمية كمؤسس شرعي لدولة دينية : _
و لدعم موقفهم يرفع أنصار إقامة الدولة الإسلامية مطلبهم تأسيساً على آية قرآنية و شعار إعلامي ترويجي ، الآية هي ما يسمونه آية الحاكمية ” و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” ، و الشعار ” الإسلام هو الحل ” . فكما أنجز الإسلام قديماً و نصر الأراذل الأذلة الضعفاء القلة في بداية الدعوة ، حتى جعل منهم و من أخلافهم سادة لإمبراطورية كبرى ، فإنه وحده هو الكفيل باستعادة هذة النصرة الإلهية ، عن طريق عملية السحر التشاكلي حيث ينتج الشبيه شبيهه ، فإن أطعنا الإسلام في أدق تفاصيله و عشنا كما عاش النبي و الصحابة في طاعة كاملة للسماء ، فإن ذلك سيكون كفيلاً بانتاج الشبيه لشبيهه ، و سيتدخل الله لنصرة أمته التي أخلصت له الدين ، و تعود الإمبراطورية و الفتوحات من جديد . و عليه فحل كل مشاكلنا ، و كل عمليات الإصلاح الممكنة لا تكون إلا من الإسلام و بالإسلام وهو في النهاية طريق و منهج سحري ميكانيكي يطالب رب السماء بنصيبه من العقد بالتدخل المباشر بنفسه لإنقاذ خير أمة أخرجت للناس ، و دون حلول يقدمها المسلمون لأنفسهم .
إن آية الحاكمية تبدو لنا مؤسسة لدكتاتورية تامة المعاني و المواصفات ، لأن أصحاب الدولة الإسلامية هم مشايخها ، هم العارفون بما أنزل الله و هم من يمكنهم تفسير كلام الله و هم الفاهمون العارفون بشريعة الله ، و هم أيضاً من يعرف كيفية تطبيقها و حدودها و عقوباتها ، باختصار هي دعوة تجعل من أصحابها المشرع و القاضي و الجلاد في آن واحد .
ثم أن معنى الآية من لم يحكم بما أنزل الله كافر ، فهو على الوجه الآخر يعني أن من يحكم بما لم ينزل الله فهو كافر ، و إقامة دولة إسلامية لم تكن فيما أنزل الله ، و ستكون نظاماً يقوم مخالفة تامة للآية ، فآية الحاكمية ليست في صالح الفكر السلفي كأساس يقيمون عليه شرعية دولتهم المرتقبة .
و المفهوم من التكفير في الإسلام ، أنه يكون في حالة عدم التزام المسلم بقاعدة تشريعية مدونة في كتاب الله ، أو الخروج عليها . و الله لم ينزل في كتابه أى نص بقاعدة تشريعية عن دولة الإسلام .
و رغم السيادة القيادية لقريش و إقامتها إمبراطورية عربية إسلامية من بعد ، فإن الصحابة ظلوا يجرون التجارب ، دون وجود مرجعية دينية لقيادة هذا الشاسع الذي فتحوه ، ثم سلموا لهذه البلاد بنظمها الإدارية البيروقراطية التراتبية الهرمية و بدواوينها ، كما كانت تدار من قبل لعشرات القرون ، و استفادوا منها و أقاموا دواوين الإمبراطورية العربية . فإذا لم نجد في نصوص القرآن و السنة ما يفيد بإقامة دولة كهدف من أهداف دين الإسلام ، فهل نجد ذلك في طريقة حكم الصحابة الخلفاء ؟ و تفعيلاً لحديث ” لا تجتمع أمتي على ضلالة ” ، و هو أحد التعابير العربية التى يكتظ بها قاموسنا و لا معنى لها في واقعنا ، هي أقرب إلى شعر الفخر و التمنيات أكثر مما كانت واقعاً ، فلم يحدث أن أجمع المسلمون على حكم أى صحابي و لو واحد من الصحابة الذين حكموا ، و الصحابة أنفسهم لم يجمعوا على مدة الحكم ، و لا كيفية الوصول إلى الحكم ، و لا نظام الحكم ، و لا مؤسسات المجتمع المدني التي لم تكن معروفة بإطلاق ، و لا فصل سلطات ، و لا مجلس شيوخ أو نواب ، فهذا كله لم يكن معلوماً لديهم .
و إذا كان الله يريد دولة على الأرض ، و اختار الإسلام و المسلمين لهذه المهمة ، فهل عاش كل الناس و الأنبياء السابقين في دولة الشيطان ؟ و هل لم يعبدوا الله بصورة حسنة قبل الإسلام و قبل قيام إمبراطورية الإسلام و بعد سقوط هذه الإمبراطورية ؟
الواضح في الآيات أن الله يقصد ” من لم يحكم بما أنزل الله ” تحذيراً بأن الله أنزل شأناً و أن هناك من لم يحكموا بهذا الشأن ، و ليس في هذا الشأن دولة و لا نظام حكم ، فالحكم المقصود في الآية هنا هو الحكم بمعنى القضاء و التقاضي بين الناس بموجب قانون شرعي سماوي ، و ليس الحكم بما نفهمه من الرئاسة و القيادة و الزعامة . و لم يعرف اللسان العربي من الحكم ما نفهمه منه اليوم ، لذلك الحكمة هي الحكم وفق القانون و ليست الملكية أو الرئاسة . و إذا كان دعاة الدولة الإسلامية يرون أن هذا الذي أنزل الله هو نظام الدولة ، و أن هناك من رفض العمل بهذا النظام لذلك نزلت الآية تحذر و تتوعد ، فعليهم أن يأتونا بأسباب النزول من تراثنا الثري المكرر الممل لكثرة التكرار و التفصيل عن الواقعة ، و كيف حدثت ، و من الذي حكم بما أنزل الله و من هذا الذي لم يحكم بما أنزل الله ؟ عليهم أن يبينوا لنا من هؤلاء الذين رفضوا دولة الإسلام زمن النبي ، و ماذا كان موقف النبي منهم ، و ما هو البديل الذي كانوا يطرحونه . . .إلخ .
إن التاريخ ناصع واضح ليس فيه دولة إسلامية ، و لم يكن هناك من يقاوم قيامها ، فآية الحاكمية ليس لها بنظام الحكم السياسي أى علاقة ، و قد أكد إله الإسلام وجوب الإبتعاد عن الدولة الدينية بقوله : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، لأنه لم ينزل الدولة و من يطلبها حسب هذا الفهم هو من بين هؤلاء الذين وصفتهم الآيات بـ ” أؤلئك هم الكافرون ” .
و إذا كان النبي قد سبق و عرف و علم ما يعلمه المتأسلمون اليوم عن آية الحاكمية ، فلماذا لم يعرض الرسول نظام دولته الجديدة على الناس كما عرض عليهم دينه الجديد ؟ أم كانت دولة الإسلام موجودة دون علم الرسول ؟ !
الإسلام و طرق الحكم : _
في الحفل الإعلامي الدعوي الدائم ، المقام للصحوة الإسلامية منذ ثمانيات القرن الماضي و حتى اليوم ، تجد الإصرار على تهيئة العقل المسلم لقبول فكرة شديدة البطلان ، مفادها أن الإسلام قد احتوى على كل ما وصلت إليه الحداثة من مبادئ ، و قيم ، و حقوق إنسانية ، و عقد اجتماعي ، و أنظمة سياسية ديموقراطية ، و حرية فردانية مقدسة . . . إلخ .
فإذا كان المسلمون يملكون كل تلك الأدوات الحاكمة بين الشعب و الحاكم في مؤسسات دولة ، بما أدى لإرادة شعبية واعية أصبحت هي الحاكم الحقيقي عبر انتخابات حرة ، فلماذا نحن في قاع الأمم ، بينما شعوب الغرب الكافر قد صنعوا جنتهم في بلادهم في أرضهم . إنها ذات قصة العلم و الإيمان أن نعيش وهمنا الخاص لنؤكد لأنفسنا أن كل قيم التحضر كانت موجودة لدينا لكننا لم نعرفها حتى اكتشفها لنا الغرب الكافر الملعون .
إن معظم هذه المفاهيم عن عقد اجتماعي و حريات و حقوق إنسان ديمقراطية علمانية ، هي بنت زماننا ، و لم يعرفها الإسلام لأنها لم تكن قد وجدت في القاموس الإنساني بعد ، ومن يقول بغير ذلك ، فهو كمن يقول أن الصحابة و الفقهاء عرفوا قيم العدل و التفوق و التحضر و لم يعملوا بها ، و تركوا المسلمين تحت الاستبداد الخليفي و الإمامي ، و هي بهذا المعني جريمة تاريخية لا تغتفر و لا تليق بالصحابة و لا الفقهاء .
لنأخذ واحداً فقط من هذه المفاهيم ( مفهوم العدل ) ، الذي يجمع عليه دعاة الدولة الإسلامية كقاسم قيمي مشترك لجميع التيارات ، فلا أحد سيختلف على العدل كقيمة حقوقية و اجتماعية و اقتصادية و سياسية ، فهي قيمة القيم جميعاً و أسها المشترك . المشكلة تواجهنا عندما نبدأ التعامل مع مفهوم العدل بتغير المكان و الزمان ، و في زمان مختلف عن زماننا ، و في مكان مختلف عن مكاننا ، عاش أعدل حكام زمنه في الحجاز الخليفة عمر بن الخطاب ، حتى صيغت حول عدله الأقاصيص و الأشعار الشهيرة : حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ، و هو من تحولت بعض أقواله قرآناً نزل به الوحى مؤيداً لما رأى عمر ، حتى روي الترمذي عن النبي ( ص ) : ” لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ” ، و أجمعت الروايات أنه كان صليباً في دين الله لا تأخذه في الله لومة لائم .
كان من عدل عمر في زمانه أنه كان يوزع الأموال التي انهمرت على يثرب من البلاد المفتوحة ، حتى لا يبقى في بيت المال درهماً يحاسبه الله عليه . . . ماذا فعل به ؟ ، و كان أخشى الناس ـ فيما كان يردد ـ من مكر الله . فكثر المال و نزح الخيرات الضنينة الموجودة في الجزيرة دون إنتاج موازي ، فدخلت أعوام المجاعة المعروفة بالرمادة . لأن الخليفة كان معياره و همه الأساسي هو اتقاء مكر الله ، و أن يضمن لنفسه النجاة يوم البعث و الحساب ، لأنه لم يكن رجل سياسة و اقتصاد ، فوقعت كارثة الرمادة رغم انهمار أموال الفتوحات .
صام الخليفة العادل عن أطايب الطعام و أكل الشعير الملتوت بالزيت حتى أسود جلده ، مشاركاً رعيته مصابهم الجلل ، و من ثم أرسل لعمرو بن العاص يستغيث ، فأرسل إليه بقافلة طعام و سوائم نفق معظمها في الطريق ، فاستشار ابن العاص المقربين منه من المصريين عن اسلم و أسرع السبل لوصول المؤنة إلى يثرب ، فأشاروا عليه بإعادة حفر قناة سيزوستريس التي تربط النيل بالبحر الأحمر ، لكن ذلك كان يعني بوار أرض مصر عدة أعوام ، نتيجة انشغال اليد العاملة في سخرة القناة ، فرد عليه الخليفة عمر : ” اعمل فيها و عجل ، أخرب الله مصر في عمار مدينة رسول الله / الطبرى ، وعلى اتفاق بين رواة السير والأخبار / كناب التاريخ / ىبيروت / مجلد 2 ص509 ” .
و هكذا كانت منظومة و منطق ذلك الزمان أنه على المهزوم أن يدفع ثمن هزيمته الدائم ، و أن عمراً كان لا يرى المصريين ضمن رعاياه ، لأن رعاياه هم العرب المسلمون وحدهم ، لذلك شاركهم مصابهم ، و طلب لهم الغوث و لو بخراب مصر .
و عمر هو صاحب عهد الذمة المشهور الذي تعامل مع غير المسلمين في البلاد المفتوحة بحسبانهم عبيداً أنجاساً مناكيد ، يجب أن يعلنوا عن أنفسهم بلبس ما يغاير المسلمين حتى يعرفوا فلا يسلم عليهم و لا يتاجرون مع المسلمين ، قال مالك بن أنس : ” بلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى البلدان ينهاهم أن يكون النصارى و اليهود في أسواقهم و أن يقاموا من الأسواق كلها ” . و من ثم لم ير في هؤلاء رعية له ، بل كنوا مجرد أشياء نافعة كالسوائم ، فهم مجلب ومصدر للفيئ و الجزية مع تحملهم المذلة و الهوان طالما ظلوا غير مسلمين . و هو شأن غير شأننا اليوم ، لأن في بلادنا مواطنين غير مسلمبن لا نستطيع أن نسلبهم حق المواطنة ، أو أن نعاملهم كدرجة ادني في سلم البشرية .
و على مستوى جزيرة العرب حيث رعية الخليفة ، فإن الخليفة إيغالاً منه في خلوص ضميرة ، قام يقسم الفيوء الواردة من البلاد المفتوحة على عرب الجزيرة حسب منازل الناس في الدعوة ، ففرض لمن حضر بدراً خمسة آلاف ، لأنهم كانوا وقود النصر البدري و مفصل تحول محوري من ضعف إلى قوة ، حتى أن النبي ( ص ) قال بشأنهم : إن الله قد غفر لأهل بدر ما تقدم من ذنب و ما تأخر “. و فرض لمن بعد بدر حتى الحديبية أربعة آلاف ، ثم من الحديبية إلى نهاية حروب الردة البكرية ثلاث آلاف ، ثم لأهل القادسية و الشام ألفين ، و حتى اليرموك ألفا . . و أدخل مع أهل بدر من ليس منهم ، مثل الحسن و الحسين وأبا ذر و سلمان ، بل و فرض للعباس عم النبي متألفا الهاشميين ، و كان العباس كافراً حتى فتح مكة ، خمسة و عشرين ألفا ، و أعطى نساء النبي من الفيوء كل منهم عشرة آلاف عدا مماليك النبى من ملكات اليمين مثل ريحانة بنت عمرو بن خنافة . فتحزب نساء النبي و طلبوا المساواة بينهم في العطاء الحرة كالأمة، ففعل ثم زاد عائشة بألفين ردتهم عليه . و هكذا في سبيل خلوص ضمير عمر ، قسم الناس رتب و منازل بين المسليمن فلم يعودوا رعية، وانعدمت المساواة بالمرة ، و هذا كله كان مقبولاً في زمنه لأنه كان يحكم بضميره الشخصي كصاحب و مستشار للنبي عندما كان حياً . و ما عاد ممكناً أن يتم حكمنا اليوم بهذه الطريقة الإسلامية ، لأن المساواة بين المواطنين هي الأس الأول لقيام دولة حديثة ديمقراطية . حتى لو وافقنا على كل ما يفصلها عن زماننا من أختلاف في معنى القيم ، و سلمنا بهذه القيم القديمة فإننا سنكون في هذه الحال بحاجة لعمر أو للنبي ليحكمنا لنسلم له رقابنا و نحن مطمئنون إلى عدله ، و ليس إلى القيمة نفسها ، و ليس بيننا اليوم من يمكنه أن يزعم هذا الزعم و يركب هذا المرتقى الصعب .
لهذا كله و مثله كثير في تراثنا نحن لا نصدق أصحاب الدولة الدينية و لا في شعيرة ، و لا حتى في جناح بعوضة ، لأنهم إنما يريدوننا ميراثاً و رثوه عن سادتنا العرب الفاتحين ، و لا نصدق إشاعتهم عدم شرعية الحكومات الإسلامية القائمة لعدم تطبيقها الشريعة ، حتى يكون أهل الدين هم البديل الشرعي المرضي عنه من السماء . بينما الشريعة لا تطبق ، لأنها أصبحت غير قابلة للتطبيق ، فلم يعد العالم كله اليوم يسمح لأى دولة بالعقوبات البدنية ، و علي السعودية هذه الأيام ضغوط هائلة بهذا الشأن ، تسجل فيها تراجعات يومية ، و لا عاد يسمح بقتل من يختار ديناً مختلفاً ، و لا عاد يقبل بسبي الجواري و ركوبهن في الحروب ، و لا عاد يسمح بنظام الرق الذي كرسنا له فقهاً كاملاً مطولاً يقوم على ثلاث و عشرين آية قرآنية ، فلا وجود اليوم لأمة أطأها و لا أم ولد أعاشرها ، و هي من لزوم ما يلزم الشريعة الإسلامية ، هذا ناهيك عن كون الشريعة الإسلامية كما نعرفها اليوم قد وضعها بشر مثلنا لم يأتهم الوحي ، و هي بهذا المعنى …وضعية كأى قوانين وضعية لا تأخذ شكل الإلزام المقدس.
من العلمي أن ندقق هنا ونقول أن المسلمين قد عرفوا شكلاً للحكم يقوم على توحد كونفدرالي للقبائل تحت سلطان قبيلة قائدة ، لكن هذا النظام لم يتحول إلى معنى الدولة إلا بعد إستيلاء العرب الفاتحين على دول قائمة ذات حضارات و أنظمة سياسية ممتدة في عمق التاريخ ، و علقوا عليها يافطة الإسلام . أما قبل ذلك و في جزيرة العرب ، فإن شكل نظام الحكم و تداول السلطة كان بدائياً بدائية مكانه وزمانه . كان في زمانه و مكانه مشغولاً بالحفاظ على ما تم تحقيقه من توحيد القبائل تحت سيادة قريش ، و ظل محافظاً على هذا الشكل فلم يكن للدولة الإسلامية من فجرها جيش مؤسس متخصص على سبيل المثال ، إنما كان النبي يدعو القبائل إلى الخروج للحروب ، و لكل منها رايتها المميزة لها ، و عليها أن تأتي أيضاً بأدوات الحرب من خيل أو دروع أو سيوف أو رماح معها ، و يتم تقسيم الغنائم على العسكر المحاربين دون القاعدين ، فهذا مجتمع بدوي بدائي عصابي التشكيل و المنهج ( يقوم على العصبية أساساً ) . و ليس هذا قدحا فيه بل وصفاً لحاله و ظرف زمانه و مكانه ، فهذا أقصى ما كان يمكن الوصول إليه من توحيد لشراذم القبائل البدوية التى تكاد تكون كل منها دولة بمفردها ، و كان مثل هذا التوحيد لقبائل العرب هدفاً أعلى للإسلام ، و عندما تحقق الهدف أعلن الله أنه قد اختتم المشروع الإسلامي بقوله تعالى : ” اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الإسلام دينا ” ، و هو ما يعني اكتمال النعمة الإلهية بتوحد العرب تحت راية الدين الإسلامي ، و ليس أبعد من هذا . و بعدها ظل هاجس التفكك القبلي هو القائم و الدائم ، و الذي أطلق عليه الفقهاء ( الفتن و الملاحم ) . كان هذا المجتمع يخشى أي تفكك يؤدي إلى فتن إنفصالية ، فخروج الفرد يعني خروج قبيلته معه ، فيخرج مسيلمة لتخرج معه كل اليمامة ، و يخرج الأسود العنسي لتخرج معه كل اليمن ، و هكذا ، و تاريخ العرب هو تاريخ تناطح سيادات القبائل و كبريائها فيما أسموه ( أيام العرب ) ، و هي مذابح كانوا يفتكون فيها ببعضهم البعض لأتفه الأسباب ، و يفخرون بـ ( أيامها ) ، مع العلم الوحيد عندهم وهو علم الأنساب ، والذى يعنى ( علم عدم المساواة ) . كانت فتنة التفرق القبلي بحكم سلطان البيئة الصحراوية ، دافعاً للعمل بنظام ديكتاتوري صارم على مستوى السلطة و الحكم ، بل و دعم هذا النظام ليكون أقوى من كل القبائل ، و يمكن أن يشن عليها الحروب لإخضاعها ، ومن الفتن الصغرى إلى الفتن الكبرى ، عانى التاريخ العربي من الطغيان الشرقي الخليفي نتيجة نشأته و تكوينه البدوي .
في أيامنا نتحدث عن نظام ديموقراطي فيه أحزاب أكثرية و أقلية ، حاكمة و معارضة ، و عن رئيس يتم اختياره من بين عدة مرشحين وفق أصول و ضوابط دستورية ، بينما في أيامهم قال النبي ( ص ) : ” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا واحداً منهما / صحيح مسلم / كتاب الإمارة / باب وجوب طاعة الأمراء ” .
هنا لا شئ اسمه أحزاب ، و لا شئ اسمه معارضة . . . هناك حاكم واحد بيده كل السلطات لمنع الفتنة و انقسام المجتمع إلى قبائله الأولى . و تتداعى الأحاديث تدعم و تؤيد الأمير حتى لو فسق و فجر و ظلم ،” فاسمع للأمير حتى لو ضرب ظهرك و أخذ مالك / حديث صحيح ” ، و عن عبد الله بن عمر : ” إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر و عليك الشكر ، و إذا كان جائراً ، فعليه الوزر و عليك الصبر ، فهذا امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده ، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر و الإنأة لا بالثورة و الغيظ ” . وقال وهب بن منبه أن الله أنزل على نبيه داود : ” إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فمن كان لى على طاعة جعلت الملوك عليهم نعمة ، و من على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة ” .
و في تلك البيئة البدوية البدائية في شاسع جغرافي لا يتوحد إلا بقوة قاهرة ، كانت فلسفة السياسة ترى ظلم السلطة للمواطنين هو عقوبة ربانية تأديبية ، أنظر الحديث الداعي المبتهل : ” اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك و لا يرحمنا ” . و عليه لا يعود الظلم ظلما ، لأن الملك أو الخليفة أو الرئيس وفق هذا الحديث هو مندوب السماء لتأديبنا ، و هو مفهوم شديد الإبتدائية يبرر الظلم و يبرئ ذمة السفاح و يدين القتيل ، و هو إن صلح لبيئته فهو لا يصلح لبيئات و أزمنة أخرى .
أما سبل الوصول إلى السلطة ، فقد بينتها كتب تشرح مدى أهمية وجوب الإمامة و الطرق إليها ، يقول فصل في وجوب الإمامة و بيان طرقها من كتاب الإمامة و قتال البغاة ، من كتاب روضة الطالبين فصل الطريق الثالث لتنصيب الإمام : ” فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة ، من جمع شرائطها ، من غير استخلاف و لا بيعة ، و قهر الناس بشوكته و جنوده ، انعقدت خلافته لينتظم شأن المسلمين . فإن لم يكن جامعاً للشرائط ، بأن كان فاسقاً أو جاهلاً ، فوجهان : أصحهما انعقاد الخلافة لما ذكرنا ، و إن كان عاصياً بفعله ” .
هذه المرجعية السياسية كانت زمنها في بيئتها ضرورة لا سبيل دونها لاستمرار تماسك هذا التوحد القبلي الكونفودرالي ، ولازالت هي المرجعية الإسلامية التي يريدها دعاة الدولة الإسلامية ، مرجعية لدولة يؤكدون أنها ديموقراطية !! فكيف يلتقيان ؟
كانت الخلافة طوال عصورها هي الاستبداد عينه ، و الطغيان ذاته ، و انعقاد البيعة كان يتم بالاستيلاء أولاً على السلطة ، ثم سوق الناس لبيعة السلطان الجديد بالزواجير ، و عندما امتنع آل بيت النبي من الهاشميين عن مبايعة أبي بكر ، أرسل إليهم عمر بن الخطاب و معه نار يريد أن يحرق بيت فاطمة بنت النبي على المجتمعين بداخله عليهم ، و كان أمر أبي بكر لعمر ” إن أبوا فقاتلهم ” . لا معنى هنا إذن لكلمة معارضة كما نفهمها اليوم ، ولا علاقة لهذه البيعة بنظام دولة ديموقراطي أو غير ديموقراطي ، كانت نظاماً خاصاً جداً ، و كانت البيعة عبارة عن إعلان إذعان شعبي للحاكم الجديد ، لأن الإمبراطورية الإسلامية قامت على مبدأ عنصري طائفي لا يعترف بأي تعددية و هو أمر لا علاقة له بالدين في حد ذاته ، و بالتأكيد لو تعددت سلطات الطوائف لتفكك المجتمع و تحارب ، هكذا منطق التاريخ القاهر الصانع لما يلائم الزمن و المكان ، و هو ما حدث في العراق عندما جعلت كل ملة و كل مذهب من رؤيتها ديناً صحيحاً تحارب به الدين الباطل ، و الباطل هو أى دين أو مذهب آخر حتى داخل الإسلام نفسه . فكانت مجازر لا تزال قائمة ، ندعو لها بألطاف الله حتى ينزلوا الطائفة و الدين من على سلم القيم الأولى ، و أن يضعوا الوطن قبل الدين على سلم القيم الأساسية للمجتمع ، حتى يتوقف نزيف الدم المفجع المهين . إن التعددية في المبدأ الديموقراطي القائم على قيمة الوطن العليا التي لا تدانيها قيمة ، لأنها التي تجعل المرجعية هي المواطنة و الولاء لوطن يجمع الجميع على اختلاف مللهم و نحلهم و مذاهبهم في مساواة تامة تخلق حرية فتخلق ديموقراطية ، تعددية مسالمة منتجة تقوم على الترابط وفق عقد اجتماعي قانوني تتحدد فيه الحقوق و الواجبات للجميع على حد سواء . هذه هي شروط قيام الدولة الديموقراطية ، فأين هي مما رأيناه في الدولة الإسلامية المزعومة حسب شروطها الشرعية ؟ !
واقعنا بين الدولة الدينية و المدنية : _
في معظم عالمنا الإسلامي ديكتاتوريتان تتصارعان على إستمرار الديكتاتورية و ليس إقامة الديموقراطية : _
1. ديكتاتورية عسكر و أسر حاكمة و يمثلون الخليفة الإسلامي التاريخي ، و يحاكون نظامه .
2. ديكتاتورية دينية سواء حليفة للسلطة أو معارضة لها ، و يمثلها الإمام أو الشيخ .
و كلاهما الحاكم أو الخليفة ، و الشيخ أو الإمام ، في حالة صراعية حول من يأخذ أكثر من نصيب الآخر من الفريسة ، لكنهما لا يختلفان مصيرياً و لا منهجياً ، إنه صراع الإمام و الخليفة منذ فصل معاوية بين سلطة الحكم و إمامة الصلاة و عين للصلاة الجامعة شيخاً إماماً .
• كلاهما لا يؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، كلاهما لا يؤمن بحرية الفكر و الرأي و النقد ، كلاهما يهدر كرامة المواطن بحرمانه من حقوقه كل بطريقته الخاصة ، كل منهم يدعم نفسه بقوة جبارة : واحد بالقوة العسكرية و واحد بالدين و ربنا ، كل منهما يريد الإنفراد بالفريسة و لا تشغله مصالحها . العسكريون يمتهنون كرامة المواطن بالسوط و المعتقل ، و الدينيون يمتهنون عقله ، و يقمعونه بالتكفير و القتل و تضليل هذا العقل بالخرافات والأساطير و فتاوي بول الناقة و بول النبي و رضاع الكبيروالحجامة والجن ، الحكومات تقوم بمصادرة الكتب و الصحف ، و رجال الدين يصادرون بقدر أكبر، مفتي الحكومة يجرم فيلم ، و مفتي الجماعة يكفر كتاباً ، الحكومات و أدعياء الدولة الدينية ضد حرية الإعتقاد ، و ضد الشيعة في المناطق السنية ، و ضد السنة في المناطق الشيعية ، و ضد الأقباط ، و ضد الأمازيغ ، و ضد الأكراد ، و ضد البهائية ، الحكومات تجلد الناشطين الإسلاميين ، و المجلودين يشرعون الجلد إسلامياً و هو فقط للبغال ، يذهب المواطن إلى قسم الشرطة ينفخوه ، يذهب إلى الجامع يهدرون كرامته و يحملونه كل خيبات أمة المسلمين .
• أصحاب فكرة الدولة الإسلامية يقولون بالعودة للسلف ، و هو ما كان صالحاً لهذا السلف في زمنهم ، فلو كان فيه خيراً لنا اليوم أو كان عندهم سبباً لتقدم سياسي حقوقي لظلوا متقدمين و هم على قلب المسلمين من زمان ، و لصرنا صناع الحضارة و حقوق الإنسان و التكنولوجيا ، و لأمسينا أعضاء مجلس الأمن ، و لأصبح الغرب هو النامي المتخلف يتلقى منا المساعدات زكاة و صدقات على اليتامى و أبناء السبيل من مشردى نيويورك ولندن.
• الإسلاميون يعرضون أنفسهم باعتبارهم الإسلام مع فتاوي يكون عصيانها إثم ، و هو ما يعني أن إختيار غيرهم جريمة دينية ، عندهم وسائل دعائية كبرى منذ الصحوة و السادات ، و قبلها منذ عسكر يوليو و ناصر مستعينين بالدين ، كل كتبهم و قرارتهم تدعو للسلف و الخلافة ، والدعاه أحباب الله فكيف يرفض الناس إنتخابهم ؟، لذلك يتم الإنتخاب على أساس ديني لا ديموقراطي ، لذلك فإن من نجح منهم في الإقتراع قد جاءت بهم الطائفية الدينية لا الديموقراطية ، لأن الديموقراطية تأتي بالأكفأ أداء سياسياً و إدراياً و الأوعى بالصالح العام للمجتمع ، بينما الإنتخابات عندنا تحولت لطقس عبادة يظهر به المؤمن مدى حبه لربه و ولائه لدينه بانتخاب الأكثر تقوى أو زاعماً لها ، اصبحت جهازاً يقتلون به و يقتلون أمام الصناديق .
• لقد جعلوا الإنتخابات السياسية خياراً بين الإيمان و الكفر نتيجة مزج الدين بالسياسة ، و من ثم سيفضل الناس الرب على الديموقراطية التي يتم هنا دفنها فوراً ، الإنتخابات في بلاد المسلمين أصبحت استجواباً موجهاً إلى المسلم البسيط : هل أنت مؤمن بقدرة الرب على حل مشاكلك كلها ؟ هل تؤمن أن الإسلام مكتمل يحوي كل الحلول و أنه هو الحل ؟ . . الإجابة لابد أن تكون….. نعم طبعاً !!!!.
• و الحكومات الإسلامية تسمح بكل هذا ، و باستيلائهم على الإعلام ، و لا تطلق الحريات لأن الحريات ستطيح بكليهما ، و كلاهما مستفيد من هذا الوضع الديكتاتوري ، فيبقى الحاكم في كرسيه بادعاء حماية المجتمع و العالم المتحضر من السلفيين ، و يستفيد السلفيون ما يأتيهم من دعم مادي و وجاهة و قيادة اجتماعية و فرصهم البترولية ، و في النهاية يكون الإسلاميون هم الحاكم الحقيقي الذي يعمل في حماية حكومة تأخذ أجرها إتاوات من شعوبها و فساداً لم يسبق له مثيل ، إن الشعوب في البلاد الإسلامية هي الفريسة و الضحية لدولة هذا ، أو دولة ذاك : إسلامية ، أو أميرية ، أو عسكرية ، أو ملكية .
مستقبل الدولة الإسلامية : _
في زمن متسارع يلهث تطوراً و تغيراً و تبدلاً ، لم يعد ممكناً بموجب معطيات أمس و اليوم ، التنبوء أو بناء أى تصور افتراضي لما سيحدث غداً ، و كان أهم حدث أذهل العالم ، و غير كل التنبؤات ، بل غير خط سير التاريخ ، و من المحتمل أن يكون سبباً في متغيرات ستجرى في جغرافية العالم المعتادة ، حدث ما لم يخطر على قلب بشر ، حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية .
صاحب هذا القلم كان قد توقف عن الكتابة و النشر ما يزيد عن سنتين ، يأساً من حدوث أى متغير في أحوال البلاد و العباد ، حتى ضربت القاعدة أمريكا ، فقرر العودة للكتابة و النشر ، فقد جاء الأمل لبلادنا على عكس كل التوقعات ، جاء يركب مركباً من دمار و نار و هلاك للأبرياء في بلاد الحريات ، و كان أول إصدار لي بعد التوقف بعنوان : ” شكراً بن لادن ” . كان ركود الأوضاع في بلاد المسلمين دافعاً لليأس و القنوط حتى تفكك الحلف الإسلامي الأمريكي في مانهاتين ، و تشظى بشكل مبهر لم تتصوره أى عبقرية من عبقريات هوليود و خيالها الجامح . كان الركود قد ساد كل شبر في بلاد المسلمين ، و أصبح لا صوت يعلو فوق صوت السلطان و مشايخه ، و تحول الناس إلى رعية للراعي بالمعنى الدقيق و الحرفي للكلمة .
كانت السعودية و من ورائها دول الخليج قد سادت بنفطها و وهابيتها ثقافة و إعلاماً و اقتصاداً و مرجعية دينية ، و كانت السعودية الحليف العريق و الأبرز لأمريكا و معها العالم الغربي الحر . و حالفت أمريكا شرار الأرض من حكام و و مستبدين بطول العالم الإسلامي و عرضه ، و أغدقت تدريباً و معرفة و تسليحاً على العرب الأفغان ، و منحتهم أسرار مخابراتها و شاركتهم برامجهم ، لدحر السوفيات في أفغانستان. السعودية أمدت بالرجال و بالمال ، و مصر ، و باكستان ، و معظم الدول العربية جندت إعلامها للجهاد ضد الشيوعية في أفغانستان ، و مولت المخابرات الأمريكية ما يزيد على 200 مؤتمر للطب الإسلامي و بقية العلوم المنسوبة للإسلام ، ……….. حتى ضرب بن لادن مانهاتن . . . فانقلبت كل الأوضاع رأساً على عقب في يوم لن ينساه التاريخ أبداً ، و اكتشف الأمريكان في لحظة مباغته أعداء جدداً ما كانوا بالحسبان ، و تحولت بلد مثل السعودية من حليف تاريخي ألى بلد مفرخ للإرهاب بين ليلة و ضحاها ، تتم الضغوط الهائلة عليها للإصلاح و التغيير ، و توضع أسماء سعودية كبيرة و ذات شأن خطير على قوائم الإرهاب الدولية . و تسقط طالبان ، و ترتكب أمريكا غلطتها التاريخية و تحقق لابن لادن مراده . كان ابن لادن قد أعلن أكثر من مرة أنه ليس بإمكانه محاربة أمريكا في أمريكا ، و أن استدراجها إلى المنطقة هو الخطة المثلى ، و حققت له أمريكا مراده لتعود الخريطة التاريخية تتغير مرة أخرى بعد دخول العراق و بسرعة مذهلة .
بعد سبتمبر 2001 كانت أمريكا قد أعلنت للعالم إنذارها بلسان رئيسها و خارجيتها و البنتاجون أنها ستدخل تدخلاً مباشر في البلاد المفرزة للإرهاب ، إن لم تقم بعمليات إصلاح تفضى إلى تراجع الإرهاب و بروز الديمقراطية ، حتى قال الرئيس اليمني على عبد الله صالح قولته المشهورة الساخرة من الذات ، المعبرة بصدق مُر عن الواقع : ” اللى مش هايحلق بكيفه ، أمريكا هاتحلق له ” .
ثم كانت الفرصة التى جاءت للحكام العرب على طبق من ذهب ، و هي دخول أمريكا العراق . و في حالة من الفجر العلني دعمت كل دول المحيط لكل ما استطاع إليه سبيلا ، ما أسموه المقاومة العراقية ، هذا بالمال و هذا بالرجال و هذا بالتدريب و هذا بفتح الحدود سداحاً مداحاً ، ليتحول مشروع الحلم الديمقراطي العلماني إلى كابوس على المنطقة جميعاً ، عندما عادت الولايات المتحدة لحلفائها القفدامى من مستبدين و أصبحت في حاجة إلى حلفائها من مستبدي المنطقة القدامي من جنرالات و ملوك ، لإنهاء الحرب في العراق بشكل لازالت المساومات جارية بشأن تفاصيله ، بينما يدفع الشعب العراقي أفدح ثمن مع كل يوم و كل ساعة تطول فيه المساومات .
و في مناخ كهذا حيث يصعب التنبؤ بمستقبل الدولة الدينية في المنطقة ، يتبناها هانتجنتون تنبؤاً بالمستحيل ، فتستجد في نظره ظروف دولية تحتم وجود هذه الدولة كما تصور، في تحالف إسلامي تقوده الخلافة التركية مرة أخرى ؟ و ارتأي أن سلامة الغرب في التفاعل مع هذا الواقع و السير به إلى منتهاه حتى تعود الخلافة ، لكن بعد أن تكون الخلافة نفسها قد تم تكريسها كتابعة للسيادة الأمريكية و لو عن بعد ، ولتقوم الخلافة بردع أى اعتداء على المصالح الغربية .
و صاحب هذه الورقة يرى الأمور بشكل أكثر بساطة من هذا ، لأن الدولة الدينية كانت مرحلة تاريخية انتهت بنهاية المرحلة التي ناسبتها ، و حسب منطق التطور الذي أثبت صلابته عبر التاريخ فهو القانون العلمي الأوحد الذي تقوم عليه بقية القوانين . فإنه ما عاد ممكناً لدولة دينية أن تتعايش مع عالمنا المعاصر ، و كما فرض التطور نفسه علينا بمنجزات علمية و حقوقية إنسانية في كل العالم ، فإنه آت إلى بلادنا أت لاشك فيه و لا ريب ، كل المسألة هي في المسافة الزمنية بين يومنا و بين يوم نضوج الأوضاع أو ظهور مفاجآت تسرع من وصول بلادنا نحو هذا التطور أو تعطلها عنه ، و يبقى بدلاً من محاولة التنبؤ ، أن نقوم نحن العلمانيون بالتأثير في الواقع المتحرك ، حتى نضيف ثقلاً لترجيحات التاريخ ، حتى نكون موجودين يوم يقوم بالفرز و الاختيار ، بحسابات المصالح و وفق المنهج التطورى .
إن الحرب القائمة حالياً ضد الإرهاب الدولى هي حرب عالمية بكل معنى الكلمة ، لكنها الحرب التي بدأت تفرض لوناً خاصاً من أساليب إدارة الحروب ، ليست حرباً بين عدوين على حدود مختلف بشأنها ، أو مصالح اقتصادية يتنازعون حولها ، إنها حرب وجود ، حرب بين زمنين ، زمن له مناهجه في التفكير و العمل ، يختلف بالكلية عن زمن التفكير العلمي و الحداثة الحقوقية ، يدافع بشراسة و استماته عن استمراره في الوجود أمام مد الحداثة الجارف ، أنها زفرات الموت الأخيرة لعصر ما قبل العلم الحديث ، و ما ترتب على هذا العلم و تقدمه الهائل من إعادة صياغة مفهوم الدولة بعقد اجتماعي حقوقي دستوري . إنه صراع زمنين بمنهجي تفكير مختلفين بالكلية و لا يلتقيان ، و القديم لن يفسح المكان للجديد بهدوء ، فهذا هو درس التاريخ الطويل .
د. سيد القمني
2007 /3 /2