قمة ال (17) 4 من 4

قمة ال (17) 4 من 4

 

بشأن التاريخ الجهادي العربي النبيل يقدم لنا الكاتب الاسلامي المستنير (فهمي هويدي) تعريفا له يقول:” ان العقل الغربي ينظر الي الجهاد علي أنه Holy war حرب مقدسه, وهي في الحقيقة كلمة لا مرادف لها عندهم (طبعا!!) فالجهاد يتميز عن القتال أو النضال الذي قد يكون في سبيل أي شئ آخر ولا ينتقص منه شيئا بينما الجهاد يفقد مضمونه ويفقد شرعيته اذا لم يكن في سبيل الله / كتابه مواطنون لاذميون 218, 220″.
وبغض النظر عن كون التعريف الهويدي يتضمن دعوة صارخة للتخلي عن مفهوم المواطنة والوطن, بتعارض مطالب الدين مع مطالب المواطنة, فاننا نتابع الاستماع اليه مستطردا” والاسلام لم يأمر أمته بالعدوان ” !!؟ .. بسيطة.. ماذا يسمي هويدي ما فعله العرب الفاتحون” ؟ ما هو بالضبط ؟ يستكمل هويدي :” ولم يأمر أمته بترويع الامنين ولا بسلب مقدرات الاخرين ولا الاستعلاء عليهم قط “؟ ( قط؟!) ألم يطالع هذا الرجل تاريخ اسلافه الكرام البررة؟ أم هو كاذب؟ والكذب شر بالضرورة ، فما بالك اذا كان يكذب علي أمته وعلي العالمين؟ يتابع الكذوب الشرير ليقول ان ” الجهاد في الاسلام شرع لنشر الاسلام ونصره للحق ودفعا للظلم واقرارا للعدل والسلام والامن, وتمكينا للرحمة التي أرسل بها محمد ص للعالمين ليخرجهم من الظلمات الي النور, لذلك هو فريضة شرعية “!! لكن الا يري هويدي وفقا لهذه المبادئ السامية فعلا ؛ الرفيعة حقا ، انه كان علي العرب أن ينسحبوا من البلاد المفتوحة بعد ان أبلغوهم بالاسلام, أو أن يعلنوا ذلك علي الاقل في أي كلمة أو نص أو حرف في مكتبتنا الاسلامية الهائلة, كما تعلن امريكا عن ذلك بشأن العراق اليوم؟ حتي يتركوا أهالي البلاد المفتوحة أحرارا حقا يحكمون بلادهم بأنفسهم؟ أم أن من ضرورات اكتمال الجهاد حيازه الارض والبشر عبيدا ، والجزية وغلة خراج العبيد والسبي ، ميراثا لهم كابرا عن كابر؟ واذا كان الاسلام ونشره هو غرض الجهاد كما يقول , فلماذا لم يكن ذلك علي بند كبار الصحابة في قمة الـ (17) . الي جوار بنود اقتسام الفريسة بأشد وأقسي وأبشع ما عرف الناس علي يد أي احتلال آخر بطوال التاريخ؟ ولم يكن الجهاد الفاتح نشرا للدعوة المكلف بها ، لان الدعوة لو كانت حاضرة حقا وراء تلك الفتوح, لرأي العالم من العرب فعالا تحببهم فيها وترغبهم في الدين الجديد, بالسيرة فيهم بالعدل والإحسان حتي يدخلوا فيه حبا وطوعا لا كرها.
هويدي يري أن الجهاد هو تحرير البلاد، وهو ما يقوله المشتغلون بالاسلام للمؤمنين الذين اختاروا تسليم أوطانهم مقابل استلامهم الدين, لكن ألا يري هويدي أن الفعل الذي تقوم به الجيوش المحاربة هو ما يحدد طبيعة الفعل العسكري ومسماه؟ مثلا للتوضيح ذهبت الجيوش المصرية وشاركت في حرب تحرير الكويت, وسميت حربها هناك تحريرا لان القوات ذهبت وعادت, فماذا عن الجهاد المقدس؟ هل كانت الجيوش العربية جيوش تحرير أم غزو أم احتلال أم استعمار استيطاني أم هو إحلالي؟ أي اسم سيختار هويدي؟
العراق هذه الأيام هو هم الاستاذ هويدي الشاغل لأنه يرزخ تحت نير الاحتلال الامريكي, لكن السؤال : هل العراق بذلك يكون تحت الاحتلال؟ الإجابة بالقطع هي نعم, لكن يأتي السؤال الثاني وهو : ماذا تفعل قوات الاحتلال هناك؟ هل تغزو؟ أم تستوطن ؟ هل تم استقدام القبائل الامريكية مع النساء ، وهل أنزلوا العيالات القادمة من كاليفورنيا ونيو يورك وشيكاغو فى دور من فر اهلوها فزعا بالنجف والفالوجة؟ ام انها قد حررت العراق من الطاغية؟ هذا مع الإعلان الدائم انها مهمة لها نهايتها وان الجيوش ستعود الي بلادها بعد استقرار الاوضاع. وفي ظل هذا الاحتلال العجيب الشأن بين ألوان الاحتلال عبر التاريخ, عاد الصوت العراقي مرة أخري , وعاد شعبه المجيد يسمع صوته للدنيا سواء في مظاهرات دائبة ، أو انتخابات حرة لم يحدث مثلها علي ارض تلك الاوطان منذ الفتح العربي الميمون, تسمع الدنيا أن هنا شعبا عريقا وأن هنا حرية ، ان الفعل هو ما يحدد الاسم وليس العكس.
ان سحب مفاهيم اليوم عن العدل والمساواة والحريات علي تاريخ الاسلام هو ظلم لكليهما, والعدل هو تسمية الاشياء بأسمائها ، دون تزويق لشأن تعجز كل مساحيق التجميل في الدنيا عن اخفاء تشوهاته وقبحه وبشاعاته. وان ما فعلته قمة الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية يأتي بعد قرون متطاولة من التطور القيمي والاخلاقي والانساني ، بعد انتصار نموذج الدولة الديمقراطية العلمانية كأفضل نظام عالمي اليوم. لذلك عندما جلسوا لم يبحثوا في توزيع الأرضيين ، وغلة العبيد المخارجين ، وتوزيع النساء المسبيات حتى يأتي الكاوبوي نصيبه من اللذة وهو مسترخ على مؤخرة حصانة في تكساس. كانت العلمانية الراقية هي سيدة الموقف منذ عصر التنوير, مما أمكنها أن تفرز رقيا ونبلا وسموا وتحضرا ما كان ممكنا أن تفرزه أبدا حضارة البداوة الفقيرة المدقعة حتي في مفاهيمها وطرق اجتماعها وتحضرها بالضرورة.
ان خلط أهل الدين بين الزمنيين يضر بديننا ودنيانا , لان اليوم غير الامس ولان بوش أو بلير غير أبي بكر أو بن الخطاب, رغم ان كل منهم هو سيد زمانه, وأمريكا غير الحجاز والناس غير الناس وكل شئ غير كل شئ, لذلك لا تشبه قمة الحلفاء ولا مستنداتها ولا جدول اعمالها ولا أهدافها قمة الـ (17) في شئ.
هويدي وأمثاله يقولون لنا ” إحنا بتوع الحرية” اسلامنا عدل واخاء ومساواة ، هو القيم الأولي والأخيرة الأزلية الأبدية, هو نهاية التاريخ , لا تسايره ولا تطاوله قيم اخري ناهيك ان تعلو عليه. لكنهم لا يوضحون لنا لماذا لم تكن هذه القيم معلومة لأصحابها من صحابة رسول الله, لانها لو كانت معلومة ولم يفعلوها فانهم يكونوا قد خرجوا عن صحيح الدين, وان لم تكن معلومة ولا من صحيح الدين يكون هو ذلك هو القول الأدق والأكثر عدلا وحقا. ويكون هويدي كذاب أشر.
ان سادتنا اللاعبون بالاسلام علينا يرددون اليوم كلام روسو ومونتسكيو وفولتير، انهم لا يرددون هنا كلام محمد والاسلام, انما يرددون منتج الحداثة العلمانية لينسبوه للاسلام ثم يكفرون به العلمانية!!؟ ان هذه المبادئ والقيم ليست من ثقافة العرب والمسلمين ، لذلك لم تكن معلومة لديهم ، حتي لا نظلمهم بادعائنا علمهم بها وتنكبهم سبلها ، فهي لم تكن ضمن مخزونهم الثقافي (قط), وهذه الـ (قط) هي الصدق غير الكذوب.
وانتهي اجتماع قمة الـ (17) دون اصدار أي تعليمات جديدة بالتوقف عن السلب والنهب والسبى والنكح بعد مدة محدودة مثلا لكل جيش, حتي يتفرغ الفاتحون بعد الاكل والنكح، للدعوة الي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة, ويعفو الله عما سلف . بل انهمك الخليفة عمر بعد ها مسافرا في فيافي العريان ومفاوز الصحاري بالجزيرة العربية ، يحمل اليهم نفقاتهم (حقوقهم) وحظهم من الغنائم والفيئ. كان عمر مخلصا لبني عنصره وجلدته اخلاصا عظيما مأجورا عند الله, عطوفا بهم رغم قسوته , لانه كان عادلا عدلا بلا نظير ، لكن هذا العدل كان قاصرا علي عنصر العرب ونوعهم وحدهم, كانوا هم الرعية , أما أهل البلاد المفتوحة فشعوبها لم تكن ضمن الرعية, انهم كانوا فيئ الرعية, انهم كانوا من يدفعون للرعية ، ويعولونها.
في عام الرمادة شارك الخليفة عمر رعيته في جوعهم وشظف عيشهم حتي أسود وجهه من أكل الشعير الملتوت بالزيت, وكلمة عام تطلق هنا مجازا لانها كانت بضعة اشهر, فقد كتب عمر الي ولاته وأمرائه علي الأمصار طالبا الغوث, فارسل عمرو بن العاص قافلة من السوائم علي ظهورها الخيرات من مصر الي يثرب قائلا:” أرسل لك قافلة أولها عندك وآخرها عندي ” . لكن عسر الطريق ومشقته كان يقضي في كل مرة علي معظم السوائم عطشا وجوعا, فكتب عمرو بن العاص الي الخليفة عمر : انه كان في مصر قناة تربط النيل بخليج السويس ( القلزم حينذاك) ، وأن القبط سدوه في حروبهم مع الروم, وأن فتحه سيؤدي لخروج خيرات مصر بالسفن من حقولها طازجة الي الحجاز, وهو بقول عمرو بن العاص : ما يجعل سعرها بالحجاز مثل سعرها بمصر. ولكن هذا المشروع سيحتاج كل المصريين للسخرة فيه وهو ما سيؤدي الي خراب مساحات كبيرة من الارض الزراعية بغياب اليد العاملة عنها, وأيضا سيؤدي الي كسر الخراج في الاعوام المقبلة.
” فكتب اليه عمر أن افعل وعجل فى ذلك , فقال له أهل مصر: خراجك زاج وأميرك راض, فان تم هذا , انكسر الخراج بسبب نقصان الانتاج لانشغال الفلاحين في الحفر واهدار الماء (النيل) في البحر. فكتب الي عمر ذلك وذكر فيه انكسار خراج مصر وخرابها, فقال له عمر في كتابه: اعمل وعجل فيه.. أخرب الله مصر في عمران مدينة رسول الله وصلاحها/ الطبري …. على اتفاق بين كتب التاريخ الاسلامى/ كتاب التاريخ/ بيروت/ دار الكتب العلمية / مج 2/ص 509″
ان عمر بن الخطاب كان عادلا صارما مؤمنا صادقا قوي الايمان, ولم يجد في دينه وايمانه ما يمنع من خراب مصر لصالح مدينة رسول الله, لان الانسان الذي يشكل مفهوم ا لرعية عند عمر هم عرب الجزيرة وحدهم, وفيما عدا ذلك هم مصدر ومحلب ومجلب, وربما لم يكونوا بشرا, فهم لجلب المنافع , هم والسوائم واحد.
طريقة الفتوح نفسها تشير الي هذه المعاني , فلم يتم ارسال كتب الهداية أو المبعوثين للدعوة والوعظ الارشاد المتقدم قبل الفتح , ولا نجد في تاريخنا أي حكم أو دروس أو حجج قدمها المسلمون لأهل البلاد المفتوحة قبل ان يفتحوها ويسلبوها ويهتكوا عرضها كعقوبة لعدم الاستجابة للدعوة. ولم يذكر لنا تاريخنا أي اشارة لأي مؤتمر بين الطرفين يناقش الامر ليعلن علي الناس. كل ما نقراه حرق ودمار وهتك أعراض ، في مفاجآت كارثيه تأتي من خارج الحدود علي أفراس العربان مرددين صياحهم في خيبر : ” إنا اذا نزلنا بساحة قوم .. فساء صباح المنذرين “.
أحيانا تصيبك الدهشة من ذكاء مشايخ قنواتنا الفضائية الذين يؤكدون أن كل تلك الاموال المنهوبة ، كانت تصب في النهاية في فوائضها في بيت المال للانفاق في سبيل الله!! وهو ما يعني أنه ما كان لاصحاب تلك الاموال الأصليين معرفة بالإنفاق, وان العرب وحدهم هم من يعرفون كيف ينفقون, وعليهم جمع الاموال من أصحابها ليقوم العرب بخبرة الإنفاق.. بالإنفاق !!
نبوءة النبي ” والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسري وقيصر وتنفقونها في سبيل الله ” تحققت مما يعني ان انفاق غير العرب هو في غير سبيل الله, وهو الانفاق الذي لم يعد علي البلدان المفتوحة سوي بالذل والعبودية والخراب, وهو ما يعني أيضا أن هويدي لا يري حتي اليوم أن المسلم العراقي أو الشامي أو المصري أو المغربي أهل للانفاق في سبيل الله, لانها خبرة عربية قدسية قاصرة علي العربي وحده.
مرة أخري أعود فاؤكد أني لا أتهم هويدي بالجهل, بل بالتزوير الفاضح والكذب الشرير المقيت علي ناسه وأهله وبنى ملتة, وكذبه ليس أبيضا بحال ، بل هو كذب أسود حالك شديد الظلمة ، والظلم ، والعتمة ، والزيف ، والضلال, هو بيع للوطن في صفقة علنية لاتخزى ولا تستحى … مع الشيطان .

د. سيد القمني
2007 / 2 / 3

#سيد_القمني (هاشتاغ)

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *