خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة: إنقاذ الإسلام من براثن المسلمين ) ( 3 ) فلسفة الكمال فلسفة ضد الحياة
يلخص الدكتور قرضاوي الملقب بالفقيه المعتدل موقف فريقه المتأسلم من الفريق العلماني ، في قوله : ” نوع من المفاهيم خطر على المجتمع ، زحفت على مجتماعتنا مع زحف الاستعمار ، و اتخذت الغرب لها قبلة و إماماً ، إنها المفاهيم المتعلقة بالدين و الدنيا ، الرجل و المرأة ، الفضيلة و الرذيلة ، التحرر و الجمود ، التقدم و الرجعية ، بالحلال و الحرام . المفاهيم المتعلقة بالحدود الفاصلة بين حرية الفكر و حرية الكفر ، بين حرية الحقوق و حرية الفسوق ، بين العلمية و العلمانية ، بين الدولة الدينية و الدولة الإسلامية . إنها مفاهيم الغزو الفكري التي تعتبر الإيمان بالغيب تخلفاً و التمسك بالسلوك الديني تزمتا ، و الدعوة إلى تحكيم الشريعة تطرفاً ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تدخلاً في شئون الآخرين ، و اختلاط الرجل بالمرأة بلا قيود تحرراً ، و عودة المرأة المسلمة إلى الحجاب الشرعي رجعية ، و الانتفاع بالتراث تعصباً له ، و اعتبار علماء الدين حراساً للتخلف ، و دعاة التغريب أعلاماً للتنوير / كتاب ملامح المجتمع المسلم / ص 77 ” .
و هذا كلام خلاصته إدانة للعلمانيين الوطنيين بالعمالة للأجنبي ، بل و إدانة لهم بحرية الفسوق و الكفر فهم ليسوا فقط مرتدين ، و لا خونة فقط ، بل هم لا يمارسون مبادئ الأخلاق الكريمة ، و هم عملاء ناشطون لأعداء الإسلام ، و من ثم وضع الشيخ نفسه و جماعته في موضع القاضي ، الذي يملك من النزاهة ما يجعله يحاكم الآخرين و يحكم عليهم ، و هو أمر لا تفصح سيرة الشيخ عنه بالمرة و بالقطع و اليقين المعلوم ، فهو شخصية عامة تعرف الناس سيرتها، و هي سيرة لا تضعه أبداً فوق المسلمين ليحاكم و يصدر أحكامه ، هذا بينما العلمانيين يضعون هذا الشيخ و أمثاله في أسوأ موضع من الدين و من الناس ، فأزعم محتملاً وحدى مسئولية هذا الزعم حتى أثبته في السطور التوالي أن هذا الرجل متاجر بدين الله ضد مصالح عباد الله ، يفتي بالمطلوب مأجوراً في الدنيا و فراديسها و قصورها الغناء الفواره ، قبل الآخرة و نعيمها ،
واللهم نعم حسداً و نقاً و قراً على الشيخ غير القابل للقر و لا للحسد و لا للنق .
و يرى التيار العلماني أن التيار الذي يمثله هذا الشيخ كان نكبة على البلاد و العباد ، تحالف منذ صحوته مع كل الديكتاتوريات السياسية ، و ما خالف هذا التيار الحكومات أو تصارع معها إلا على حجم الأنصبة المطلوب هبشها ، و في صياغة تقريرية فإن ما أرساه الشيخ هو و جماعته في العقل المسلم كان تدميراً حقيقياً لهذا العقل ، بتأكيده أن الله قد سبق و منح المسلمين كل العلوم ، و كل القيم ، و كل النظم سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية و كل فلسفة السياسة و المجتمع ، كل هذا دفعة واحدة وعلى يد رسول واحد ، تحققت على يديه تمامية المعرفة في أي شأن في شئون الكوكب الأرضي أو ما بعد الموت .
كل هذا طفح في شوارعنا شباباً ، تخرجوا من الجامعات لا يؤمنون بالعلم كحل لمشكلات الناس و الوطن ، شباباً إما جهلة جهلاً حقيقياً ، و إما لم يتعلموا علماً حقيقياً بقدر ما حفظوا شأناً لا علاقة لهم به ، كانت كل مهمته أن يصل إلى النجاح في الامتحان إن غشاً أو تدليساً أو حفظاً و مصمتا لا يعني أى دلالة أو معنى ، و غضت الحكومات البصر بالمرة عن وسائل الحصول على شهادات ترضي غرور الذات ، فوصل عدد الحاصلين على الدكتوراه في مصر إلى أكثر من مثيله في أمريكا ، لكنهم عندنا غثاء كزبد البحر أو هم كالعهن المنفوش ليس أكثر ، ربنا يقلل منهم لأنهم كالهم عالقلب ، فلا قيمة عندنا للمعرفة و لا قدسية للعلماء و إنما للمشايخ الدكاترة ، فلا نسمع عن بحوث تطرح إلا حول الحجاب و النقاب و فلسطين و العراق و الحكام الطاغوتيين و أمريكا و إسرائيل و البوسنة و كشمير و الشيشان ، و لا قيمة للوقت الذي إن لم تقطعه فرمك ، و لا قيمة لقيمة القيم (العمل) التى إن لم تحترمها انتهيت إلى الحيوانية فما يميز الإنسان عن الحيوان هو العمل المنتج . ثم على المستوى الأخلاقي يقرر المذهب السني ( لا يدخل ابن آدم الجنة بعمله ) بل بأدائه أوامر و نواهي ربه ، و بعد هذا لا يجب أن يكون شديد الإطمئنان ، بل عليه أن يرجو رحمة الجبار المكار!! .
طفحت الصحوة لا بارك الله فيها ( أم هي أيضاً مقدسة لا يصح همزها أو لمزها ؟ ! ) ، طفحت في شوارعنا شباباً كانوا حلم الوطن و أمله المرتجى ، فهم كل ما كان يملك ، فلا بترول لدينا و لا معادن نفيسة و لا حتى سياحة بالمعنى السليم لعلم اقتصاد السياحة ، كل ما لدينا كان ثروة مصر من شبابها ، فإذا بهم يسمرون الليالي حول العلم و الإيمان و الانقطاع في المساجد دون المختبرات ، تكاسلاً و ركوناً لما بيدهم من كمال مطلق ، و مع رؤيتهم كيف تجاوزهم الزمن و الواقع ، يلومون الزمن و يكفرون الواقع ، بينما الإحباط بداخل النفوس يجعلها مشوهة ممروره كارهه حاقدة ، فاقدة لأى أمل ممكن . لأن السعى و التفكير لن يأتي لنا بأى جديد زيادة على ما بأيدينا سماوياً كاملاً بذاته ، فلماذا يسعى شبابنا و لماذا ينتج دكاترتنا أى علم نافع ؟
و بما أن الله يغفر الذنوب جميعاً إلا أن يشرك به ، فقد اتكل النصف الأخر من الشباب على عدم شركهم بالله ثم توكلوا على الله ، و أنغمسوا في كل الرذائل الممكنة ، للغياب عن الواقع بكل الوسائل مشروعة أو غير مشروعة . و تحول الشارع في البلاد الإسلامية إلى مملكة للشيطان بدلاً من الرحمن ، فالمسلم كما يحرص على الصيام و أداء الصلاة في مواقيتها ، فإنه أيضاً و بدون الشعور بأي خلل أخلاقي أو ديني يرتشي و يهرب بأموال الناس أو بأموال البنوك و هي بدورها أموال الناس ، و يستولى على أراضي الدولة و يغش في منتجه ، و يخسر الميزان ، ويعتدي قولاً أو فعلاً على غير المسلمين ، و لا تأمن غير المحجبة من غير المسلمين على نفسها في شوارع تمتلئ بالمآذن المفترض أنها رمز عفة اليد و اللسان و الفعل، و تغطي فضاءها ميكروفونات تقصف الآذان بالوعظ و الأمر بالأخلاق . ثم يحج البيت كل سنة ليعود كما ولدته أمه ليرتكب آثاماً من نوع جديد ، حتى يحين موعد ولادته المتجددة كجلد الثعبان في السنة المقبلة .
هناك حديث يتفق الرواة على صحته ، وأراه أشد الأحاديث بطلاناً ، حتى أني اعتقد أن الانهيار الأخلاقي الواضح في شارعنا الملتحي و المحجب ، يعود إلى هذا الحديث بالذات ، رواه البخاري في كتاب الجنائز ، قال : ” حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا بن ميمون حدثنا واصل الأحدب عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله ( ص ) : ” أتاني آت من ربي فأخبرني – أو قال بشرني – أنه من قال من أمتى لا أشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، قلت و إن زنى و إن سرق ؟ قال و إن زني و إن سرق ، قلت و إن زنى و إن سرق ، قال و إن زني و إن سرق ، قلت و إن زني و إن سرق ، قال و إن زنى و إن سرق رغم أنف أبي ذر / الحديث 1237 ” .
لقد توافقت المجتمعات كلها ، و البشرية جميعاً ، والأديان وثنية أو سماوية أو وضعية ، على أن فعل السرقة و فعل الزنا ( و نفهمه و تفهمه الدنيا كلها بأنه اعتداء اغتصابي بالإرغام ) ، هي أفعال فاضحة و مشينة وضد أى أخلاق ، و هي شئون لا تحتاج توجيهاً و لا تعليماً كي ندركها ، لأنها تدرك بالحس الإنساني الخالص ، لذلك كان الحس الإنساني وراء تكرار أبي ذر لسؤاله المندهش المستنكر ثلاث مرات ، تعبيراً عن عدم قبول روحه لفكرة أن يكون مصير الزاني و السارق إلى الجنة بدلاً من جهنم لمجرد إعلانه الشهادة الإسلامية .
و الغريب أن هذا الحديث يعتبر عمدة الأحاديث المكررة التي يعمل بها المسلمون و مشايخهم ، ثم يحدثوننا عن القيم و عن الأخلاق !!؟ ، و هم يبررون السرقة و الزني مقابل الإعتراف للإله بأنه إله !! ، بل و نسبة ذلك اللا أخلاق إلى النبي الذي لا ينطق عن الهوى و الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ، فيكون الرب قد تغاضى عن قواعده الأخلاقية و غض البصر عن كسرها و أذاها لعبادة الآخرين ، مقابل أن يكسب مسلماً جديداً يعلن الاعتراف به إلهاً . فأى مصيبة وصل إليها المسلمون في دينهم ؟ و أى حديث ينسبونه إلى المصطفى (ص) الذي وصفه ربي بأنه على خلق عظيم ؟
لهذا يرى العلمانيون المؤمنون بالتواصل مع التراث أن القيم الوضعية الإنسانية التي تعارف الناس عليها ، و توافقوا بشأنها في مجتمع بعينه في زمن بذاته ، هي التي تكشف لنا القيم الإلهية و تشرحها و تفسرها ، لأن القيم الربانية جاءت مجملة بلا تفاصيل ، و لم يفصل الوحي بشأن تلك القيم حتى لا يلزم الناس بها دفعة واحدة ، فتكون تكليفاً يصعب على المكلفين تحمله و أدائه ، لذلك جعل تلك القيم مخفية مثل بقية فروع العلوم و القواعد المنهجية و غيرها من قوانين طبيعية ، مع تضمنها ممكنات جهوزية دائمة لكشوف جديدة ، وبالمقابل و حتى نستحق خلافته على الأرض ، منحنا العقل أمانة علينا أن نؤديها حتى نستحق هذه الخلافة ، بتفعيلها و تشغيلها للبحث عن مخفياته و ألطافه على قدر جهد كل مجتمع و كل جيل ، فما نعثر عليه نلزم به أنفسنا ، إضافة إلى ما نكشفه من أسرار علمه التى أودعها كوننا ، و تركها لنا نبحث فيها و ننقب ، إعمالاً للبصر و السمع و العقل ، و كله كان الإنسان عنه مسئولا .
ترانا عندما يسألنا ربنا عما فعلنا بأمانته فبماذا سنجيب صاحب المُلك الأوحد يوم ذاك ؟ ألا يخجل المسلمون من ربهم الذي وصفهم تجميلاً لهم و تفخيماً بخير أمة أخرجت للناس؟ ! ! أعطانا ربنا أعظم أمانة ، عقلنا الذي هو بضعه من عقله ، لأن وظيفته هي التفكير ، و لأنه هو ما اصطلحت الأديان على تسميته بالروح ، فهي المدركة ، الروح هي وظيفة المخ ، هي العقل . و بها نستطيع أن نكتشف القيم و أسرار العلم ، و نقوم باستثمار ما كشفناه و استغلاله لصالح الناس في أي مكان ، و من ثم يكون أمام الأجيال آمالاً واسعة في الاجتهاد و السعي و الحياة ، أما لو صدقنا جماعة قرضاوي و زغلول و النجار و مصطفى محمود و غيرهم ، و أن الله منحنا كل القيم و كل العلوم دفعة واحدة ، فلن يكون هناك أى معنى لإعمال ما أعطانا الله من أدوات معرفية سمعاً و بصراً و لمساً و شماً و إدراكاً و تعقلاً و فهماً و تدليلاً و اكتشافاً و اختراعاً ، ثم أن القيم كي تكون قيماً يجب أن تخضع للفرز و التجنيب و التمييز ثم الاختيار بالمفاضلة بينها ، حتى تختار هذه القيمة أو غيرها ، أما الفروض الدينية فهي ما لا يدخل تحت مفهوم القيم ، خاصة أن القيم المفروضة لا تنتج إنساناً سوياً . فقط الملائكة هم من يملكون نمطاً سلوكياً دون اختيار، و هو ليس قيمة ، يصلون لربهم ليل نهار سجداً و ركوعا . لأن الملائكة لم تعط الاختيار و نحن لسنا بملائكة . و هكذا خلقنا ربنا كي نختار لنتحمل مسئولية اختيارنا كي تتم مشيئته، و هنا تظهر القيمة .
ان الاكتمال هو منطق و فلسفة ضد صيرورة الحياة و حركة التاريخ ، ان الاعتقاد بالاكتمال يعنى أن هزيمة المسلمين التاريخية قد اكتملت حتى ملكت الأرواح و العقول فاستكانت لمصيرها ، و أصابتها الشيخوخة في مفاصلها العقلية و الحسية ، فدخلت طور الخرف و الزهايمر ، يطلب علماء دينها الموقرون العلاج ببول الرسول و بول الإبل و الطب النبوي و العسل و الحجامة و الحبة السوداء ، و يشرعون رضاع الكبير و مفاخذة الرضيعة و هي العلامات الواضحات على وجوب الإسراع بإدخال الأمة إلى غرفة العناية المركزة ، أو انتظار ثواب الآخرة . أو البحث عن علاج من نوع جديد حتى لو كان مراً علقما ، فالمسألة أصبحت مسألة الإستمرار في الوجود ، أو الخروج منه غير مأسوف علينا .
إن ستر الله علومه و قيمه عنا ، حكمة ربانية تليق بكماله ، فهو الكمال الأوحد في ذاته وحده لا شريك له و لا قرين و لا شبيه ، حكمتها دفع كل جيل ليجتهد و يكشف جزءاً من علم الله و قيمه ، تاركاً للأجيال التالية مساحات واسعة لتضيف بكشوفها من علم الله معارف أرقى . و من المستحيل أن يكون الله ضد قانونه الأساسي في الكون ، قانون التغير و التطور الدائب ، الذي هو القانون الأوحد الثابت دون أى قانون آخر ، فكل قانون إلى تبدل و تغير عدا التطور و التغير الذي هو القانون الأزلي الأبدي أبداً مطلقاً لتحقيق الإرادة الإلهية على الأرض و كي يستحق الإنسان الخلافة فيها عندما يراعي هذا القانون الرباني .
موجز الأمر من وجهة النظر العلمانية التي تحترم التراث و تتفاعل معه ، أن أى فلسفة هي بحاجة لعقل يجادلها و يسألها و ينقدها و يفرزها ، و يرد عليها و يستبعد منها و يستبقى و يعلى و يخفض و يستخدم معاييره وفق قوانين العقل الصارم ، البارد ، و هي القوانين الموزعة بعدالة تامة بين الناس كما قال لنا فيلسوف الشك و العقلانية ( ديكارت ) .
لهذا تتجدد الفلسفة غير المحروسة بالكهنة ، غير المجمدة ، غير المقيدة ، و تتطور و تؤدي لتطور مناهج العقل نفسه في الفرز و التمييز و الاختيار ، تؤدي إلى تطور منطق العقل فتظهر نظريات و فلسفات جديدة . بينما وجهة نظر فقهاء الإسلام في بلادنا هي وجهة نظر مقدسة ، فإن كانت حديثاً نبوياً و لو موضوعاً فهو مقدس لا يصح نقده و التعدي عليه ، لاحتمال و لو ضئيل أن تكون نسبته للنبي صحيحة . و إن كانت اجتهاداً تحول المجتهد إلى مقدس كالإمام أبو حامد الغزالى (حجة الإسلام) و ألد أعداء الفلسفة و العمل العقلي ، بينما لم ينل لا الشاطبي و لا الجويني و لا الطوفي مثل هذا اللقب ، و إن كانت سعياً وراء جمع المقدس تقدس الجامع ، كما في تقديس البخاري و اعتبار الفقهاء كتابه أصح كتاب على الأرض بعد القرآن . و من هذه القداسة تمكنوا من استثمار المقدس الرباني و استخدامه بانتهازية مفرطة ، و أصبحوا هم من يفسر الحديث المقدس ليفسروا به القرآن المقدس، فأصبحوا هم معيار قياس الأشياء جميعاً ، و ليس القرآن ، لأنهم يعلمون أن أحكام القرآن نفسها لا تصلح معياراً لعموميتها و عدم تفصيلها ، و أنها تحتاج للشارح المفسر طوال الوقت ، فأصبح الرأى بديلاً لدين الله ، و كتاب الله ، هذا ناهيك عما يترتب على هذه المعايير المقدسة من الغاء العمل العقلي و القضاء عليه مبرماً ، لأن القياس المنطقي سيتم قياساً على ما قال الرب أو قال النبي ، أو ما قال الصحابة ، أو ما قال الفقهاء .
إن اللجوء للمقدس هو نوع من الحصول على الحصانة مصحوبة بالأمر الفوري بالالتزام و التقيد و التنفيذ لأن الآمر سيكون الله بنفسه ، هذا بينما كلام الله الذي يقولون أنه المعيار ، هم من يقولون أيضاً أنه بحاجة إليهم لتفسيره ، فهو لا يكتمل إلا بهم ، و من ثم يتقدس المفسر لقدسية ما يفسره . البخاري مثلاً أصبح مقدساً لأنه فسر القرآن بالحديث . أصبح الفقيه كما رأيتم عند قرضاوي هو من يعلن الرضى أو النفى و الطرد و التكفير الديني و التخوين الوطنى ، هو من يعطي كلامنا تصريحاً بالمرور من عدمه . هو من يعطي أى كلام الـ ( O.K) ، مولاهم واخدها مقاولة حفر و ردم لوحده .
و مع هذا الحديث حديث آخر يحرض على الرذيلة تحريضاً ، يقول ” إذا بليتم فاستتروا ” ، فمن أراد ارتكاب الجريمة عليه فقط ألا يعلنها على ملأ حتى لا تفشو الرذيلة في المجتمع ، حسب تفسير فقهنا لهذا الحديث ، أى حتى لا يعتاد الناس الرذيلة لتكرارها العلني ، و حفاظاً على الشكل الفاضل دون المحتوى الفاسد ، يعنى سلامة المجتمع نتأتى بستر المؤمنين لبعضهم بعضا ، ” من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الآخرة ” ، ليس المهم هو الفعل الأخلاقي من عدمه ، المهم الشكل العام للمجتمع الذي يجب أن يتصف بكل الفضائل ليكون خير أمة أخرجت للناس . فكانت النتيجة تفشى الرذائل في نخاع المجتمع دون إعلانها ، إلا مع سيئ الحظ الذي قد ينكشف فيرجمه الجميع بأحجار ذنوبهم .
إن فلسفة الأخلاق القائمة على مبدأ ” إذا بليتم فاستتروا “، هي فلسفة النمر و قاطع الطريق ، هي فلسفة لا علاقة لها بأى أخلاق ، و أربأ بسيدي المصطفى (ص) الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ، أن يكون هذا قوله .
د. سيد القمني
2007 / 3 /12