خريطة الطريق نحو الإصلاح !!

المفكر المصري العظيم د. سيد القمني

خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة : إنقاذ الإسلام من براثن المسلمين) ( 1 ) انتكاسة المسلمين إلى الوثنية !!

معظم دول الإسلام ، أو رجل العالم المريض ، تأتي في مرتبة أكثر البلدان تخلفاً على كل المستويات ، و ما زاد الأمر نكاية هو الصحوة الإرهابية التي جعلت من المسلمين أصحاب الحظ الأوفر في العمليات الإجرامية الأشد بشاعة في العالم ، مما استجلب على المسلمين عداء العالم كله ، في وقت يشكلون فيه أشد الشعوب تخلفاً و ضعفاً و ما أكثر عددهم و ما أكثر هزائمهم ، و هو ما استتبع ليس العداء فقط ، بل الاحتقار و الحصار و معاملة المسلمين معاملة ترويضية ، كمن يروض حيوانات مفترسة لم يرتق إدراكها بعد ، و لا تملك حساً أو ضميراً إنسانياً ، فيطعمه و يسقيه بالمعونات لكن يحدد له دوراً لا يتجاوزه ، و يقسو عليه أحياناً أخرى فيحاصره ليتم تحجيمه باستمرار ، و يحافظ على بعضهم من الإنقراض كحفرية حية ، و يترك بعضهم في مناطق أخرى يأكلون بعضهم في فوضى خلاقة حتى تصفو النيران عن رماد خامد غير ضار .
و بسبيل العثور على ثقب في هذا الواقع الآسن نحو تغيير و إصلاح يؤدي إلى خلاص و انعتاق منطقتنا مما هي فيه ، انقسم المفكرون في بلاد المسلمين على أطيافهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلى فريقين رئيسيين : فريق أرجع الأزمة إلى عدم التزام خير أمة أخرجت للناس بدينها حسب الأصول ، و هو ما يجعلها تطلب النصرة السماوية فلا تستجيب السماء لها ، بل تنزل بها النوازل و الإهانات و الكوارث تقفو بعضها بعضا ، في عملية تأديب ربانية للأمة كلها ، و ذلك لأنها فرطت في فروض و حدود دينها و تأثرت بما عند الشعوب الأجنبية من أساليب عيش هي على النقيض مما جاء في إسلامنا ، لذلك حقت علينا النقمة الإلهية ، و لا حل إلا بالعودة الكاملة الخالصة لهذا الدين و الالتزام الدقيق بأوامره و نواهيه و فروضه و حدوده الشرعية و أخلاقه السامية ، و التسنن الكاملة بسنة رسول الله ( ص ) و سنن الراشدين الهداة المهديين. و عندما يتيقن ربنا من استئهالنا للرحمة حسب معاييره ، و قدر رضاه عما حققنا من حسن عبادة و إخلاص ، فإنه سيتدخل بنفسه لإنقاذ أمته التي اصطفاها لقيادة العالمين ، و هذا الفريق هو الأكثر انتشاراً بين جماهير المسلمين .
و يغلب على هذا الفريق روح التنظيم لتعودهم على الطاعة المطلقة ، فيشكلون جماعات شديدة التنظيم و الانضباط و الاستجابة الحركية السريعة ، تبدو بينها على السطح خلافات في الدرجة لكنها غير نوعية ، فهي تتوافق جميعاً على الأهداف و إن اختلفت الأساليب ، و يزعم هذا الفريق أننا قد جربنا العلمانية ( يقصدون الدكتاتوريات العسكرية ) و النظام الجمهوري و النظام الملكي و الاشتراكية و الرأسمالية ، و سقطت جميعاً و سقطنا معها في المزيد من التخلف و الانهيار ، و لم تجلب تلك التجارب سوى الهزائم المتتالية دون خلاص واضح في المستقبل المنظور ، و لا يبقى سوى استيلاء أنصار هذا التيار على الحكم ليحكموا المجتمع حكماً إسلامياً ، أو بالأحرى أن يفرضوا سلطانهم من خلف ستار لحكام مدنيين أو عسكريين شكليين ، بحيث يكونوا هم المرجعية في اتخاذ أى قرار أو إصدار أى قانون ، و أن يكونوا هم الهيئة المحاسبية الأولى الرقابية ، دون أن يحكموا بشكل ثيوقراطي مباشر ، و بموجب هذا الشكل من الحكم تتم الأسلمة الكاملة للمجتمع و الدولة ، و عندئذ سوف يتدخل رب السماء لينصر أمته و يعيد لها أمجاد الفتوحات ، كما نصر السلف و هم أراذل أذلة .
أما الفريق الآخر ( العلماني ) فقد ذهب مذهباً هو على النقيض بالمرة من الفريق الأول ، و هو الأقل انتشاراً بين الجماهير لكنه الأكثر قدرة على الوصول إلى حلول علمية ،و الأكثر منطقاً ، و الأقوى حجة ، و يستند إلى الواقع الملموس في نجاح العلمانية أينما طبقت . لذلك تتم محاربة هذا التيار و طعنه لدى المسلمين بكونه يناهض الدين و يناوئه ، حتى لا يصل إلى الناس أصحاب المصلحة فيه ، و يعاني هذا الفريق إضافة إلى التحريض ضده وتبخيسه و تكفيره و تخوينه ، من خلل شديد أصيل في بنيته ، لأن العلمانية أو الليبرالية هي حرية فردانية بطبيعتها و بما تتضمنه من مفاهيم ، فيكون الفرد عصياً على الانضباط و التنظيم الحركي ، و لا يخضع العلماني إلا لقوانين العقل و العلم و الأصول الحقوقية و الدستورية للمجتمع المدني ، التي يطيعها عن قناعة و إيمان بحفظها لسلامته و سلامة المجتمع . لذلك فالليبرالية لا تقوم في مجتمع إلا عندما تنتشر بقوتها الذاتية ، و قدرتها على الإقناع و ما تملكه من وسائل و أدوات للأمن الاجتماعي ، و ما تحظى به من أدوات علمية تقدم بها نفسها مدعومة بالبرهان و الدليل مع نضوج الأوضاع الاجتماعية لقيام طبقة صاحبة مصلحة فيها تؤسس لها و تحميها و هو الدور الذي أنجزته في أوروبا الطبقة البورجوازية بعد الثورة الصناعية .
و الفريق العلماني بالطبع لا يرجع الأزمة إلى تأثر المسلمين بثقافات غير إسلامية ، بل يرى أنهم أبعد ما يكونون عن هذه الثقافات بعداً سحيقاً ، و لا يرى أن مصائبنا تبدأ مع الاستعمار الحديث و سقوط الخلافة ، لأن الخلافة كانت قد مرضت و شاخت و كانت فقط تنتظر من يعلن وفاتها ، بل أنها كانت هي مصيبة هذه المنطقة من العالم ، و أن الاستعمار لم يكن سبب ضعفنا ، باحتلاله بلادنا ، لأنها كانت ضعيفة أصلاً مما سمح للآخرين بالتعدي عليها ، فضعفنا أصيل في بنيتنا الثقافية و كان هو سبب الاستعمار و ليس نتيجته . و من ثم يعيد هذا الفريق أزمة المسلمين إلى تمسكهم بتراثهم الذي تجمد و تجمدوا معه ، و هنا ينقسم هذا الفريق ( العلماني ) إلى موقفين ( إضافة إلى الإشتراكيين ) : موقف يرى أن الخروج من الأزمة يتطلب التحرر التام و الإنعتاق الكامل من سلطة التراث الإسلامي أو أى دين آخر، الذي يعوقنا عن التقدم و التكيف مع العصر . و موقف آخر يرى أن المأثور الإسلامي جزء لا يتجزأ من ثقافتنا يستحيل إجراء قطيعة تامة معه ، لأنه هدف غير قابل للتحقيق بالمطلق ، لذلك فالحل يكون بإعادة قراءة هذا المأثور الهائل و إعادة تصنيفه و تبويبه ، و تجديد فهم النصوص بما يتلاءم مع مصالح البلاد و العباد و ظروف العصر و مقتضياته ، و صاحب هذا القلم يعتبر نفسه ضمن أصحاب هذا الموقف الثاني من التيار العلماني ، و يرى وجوب أن يتم هذا التجديد أو القراءة الجديدة بما لا يصدم الإيمان الإسلامي ، و دون الدخول في صراع طائفي مذهبي بين القراءات ، أى تقديم قراءة تصالحية سلامية للمسلمين قادرة على مواكبة المستحداث في عالمنا الدؤب تغيراً و تبدلاً ، مع الطموح إلى أن تحوز هذه القراءة رضى المسلمين و أيضاً رضى غير المسلمين ، و هي مهمة بهذا الشكل تبدو عسيرة بل و ربما مستحيلة ، لكنا سنحاول تجاوز هذه الاستحالة في هذه المجموعة من الدراسات مستعينيين بحب جارف لهذا الوطن و للناس في هذا الوطن ، و إيماناً غير مشوب بقدرة الإسلام و المسلمين على تجاوز كبوتهم التاريخية . لأن أزمة المجتمعات الإسلامية تنهض على واقع مختل ، تحزبت فيه المجتمعات الإسلامية لدينها و تراثها ، بينما هذا التراث تحديداً ما عاد يتجدد أو يتبدل كما كان في حياة صاحب الدعوة عندما كان الوحي يستجيب للمتغيرات ، فكان الله في حياة صاحب الدعوة يتفاعل بوحيه جدلاً أخذاً و عطاء مع حركة الواقع المتغير ، فكان يُُنسى آيات و يُبدل أخرى و يرفع و ينسخ و يمحو و يثبت آيات غير آيات ، و حديث غير سابقة و فعل نقيض سالفة ، و يتطور مراعياً وقائع الأرض و ظروفها المادية البحت . و بوفاة صاحب الدعوة و توقف علاقة السماء بالأرض ، تجمد المسلمون عند آخر نص في تطور الأحكام ليعتبرونه حكماً نهائياً صالحاً لكل زمان و مكان ، بينما هو في حقيقة الأمر و دون أي تجن هو خارج المكان و الزمان ، و الرؤية الوحيدة القادرة على جعله صالحاً لكل زمان و مكان ، تنبع من داخل الإسلام و من ميكانيزمات تكون الوحى خلال 53 سنة ، فالدرس و الأغراض النهائية فيه ، هو إثبات مبدأ التغير و التطور مع كل جديد ، و ليس الوقوف عند آخر تطور حدث في حياة صاحب الدعوة ، لأن التطور و التغير هو قانون الكون الأوحد الثابت .
و الخطورة اليوم ليست على دين الإسلام ، فالدين ، أى دين ، لا يموت و لا يندثر و لأنه فكرة ، لأنه ثقافة ، فلازالت الجميلة بين الآلهة الرافدية (عشتروت) تحاط بالرعاية و التكريم في كل ثقافات العالم و في و في كل متاحف الدنيا ، يحيط بها عشاق من كبار العقول الأركيولوجية و فلاسفة التاريخ و الأديان ، مثلها (إيزيس) المصرية ، مثلها (أدونيس) الفينيقي ، و (البعل) الشامي ، مثلها قصة الخلق المصرية ، و البابلية ، و ملحمة جلجامش ، و حكايات ملقارت ، و ملحمة الطوفان البابلي ، كلها محل احترام و لم تفن ولازالت من التاريخ ، بل وجدت عشاقاً من لون آخر و نوع آخر ، و من انتهي من التاريخ هم البشر من أتباعها و عبادها . الخطورة ليست إذن على دين المسلمين ، فالدين له صاحب كفيل به ، الخطورة الحقيقية هي على المسلمين من الزوال الوجودي من عالم البشرية بالاندثار التام ، بعد أن غابوا عن هذا الوجود كفكرة و فعل و عطاء ، و غرقوا في مستنقعات الجهل الخرافة و التخلف و الجمود و الاستبداد و الانحطاط الخلقي و الإنساني ، رغم أن المسلمين يشكلون حوالي خمس البشرية على الأرض . هنا الذعر الحقيقي أن تطول الأزمة بالمسلمين فيغيبوا وجوداً كما غابوا حضوراً ثقافياً ، و هم حسب ما نعتقد كمسلمين المكلفين بالشهادة على الناس ، بحسبانهم أمة وسطا حسبما أخبر القرآن الكريم ، بينما هم لا عادوا أمة وسطا و لا طرفاً ، و لا هم أمة أصلاً بحالهم هذا ، و لو قلنا تجاوزاً أنهم أمة ، فهم أمة مريضة تصدر أمراضها كراهية و إرهاباً للعالمين .
و ينعي المسلمون على الغرب الكافر تحلله الأخلاقي و عريه و حرياته اللا محدودة ، و يعتقدون أن الأخلاق قاصرة على الإسلام و المسلمين ، و أنها الشئ الوحيد تقريباً الذي تملكه لذلك تعتز به و تنافح عنه و تباهي به الدنيا ، رغم أن الصحوة الإسلامية أثبتت عدم امتلاكها حتى هذا الجزء المعنوي الذي تتباهى به ، فأسقطت جميع القيم الأخلاقية دفعة واحدة ، فصار الكذب مباحاً بعقيدة ( التقية ) ، و أموال البنوك مستباحة لأنها ربوية ، و أموال غير المسلمين غنيمة مستباحة لأنهم محاربون شاءوا أم أبوا و سواء كان ذلك موافقاً فعلاً لشرع الله من عدمه ، هذا ناهيك عن فقه كامل يكرس الاغتصاب بملك اليمين يتم تدريسه حتى اليوم في الفقه على المذاهب الأربعة في مدارسنا الدينية . من الأزهر إلى طالبان، ناهيك عن استمرار الشيعة في العمل بنكاح المتعة ، إضافة لمسيار القرضاوي ، و زواج الفرند عند الشيخ الزنداني ، و العرفي ، و مفاخذة الرضيعة كما أفتى خميني . . . إلخ ، و لا تفهم معنى الزنى هنا بالمرة ، و لا أين هي الأخلاق التي يفاخر المسلمون بها العالمين و التى تقف جميعاً عند أخلاق الجنس وحدها ، و هي الأخلاق المفقودة حتى في هذا العنصر الخلقي الوحيد الذي نتباهى به حجاباً و نقاباً دليلاً على عفتنا الجنسية التى هي كل الأخلاق بنظرنا.
المشكلة التى ستواجه الجديد هنا ، هو اعتقاد المسلم بعصمته ، و الكمال التام للتراث الإسلامي بكليته ، رغم أن التراث الإسلامي بوضعه الحالي قد اختلط فيه الإلهي بوجهة النظر الفقهية بالمذهب بالتأويل المناسب لعصر دون عصر ، بتقنين تشريعات على المذاهب المختلفة على ما بينها من اختلافات شديدة التباين و التناقض على أبسط الشئون ، التي لا تحتمل رأيين أو تفسيرين ، كما في حال الحدود التى تفعل العقوبات البدنية مثلاً ، فقطع يد إنسان ليست شأناً بسيطاً حتى تختلف المذاهب السنية الأربعة حول مستوى القطع : هل هو من الأصابع أم من الكف أم من الكوع أم نخلعها من الكتف خلعاً ؟ و هي آراء المذاهب الأربعة في مستوى القطع ؟ ! ، ناهيك عن القصور الشديد في هذه الشريعة عن مواكبة الزمن ، و هذا قول لا يشين الشريعة و لا يقلل من قيمتها ، فقط دون إغراق في المثالية يعتبرها في كثير منها كانت صالحة لزمنها وحده ، و مما لا يتوافق مع زماننا كمثال واحد ، كانت الشريعة تعاقب بالقطع على السرقة إذا كان المسروق في حرز أى في مكان مغلق ، لكنها لا تعاقب بالقطع على سرقة السائبة ، فهي ليست سرقة تستحق القطع ، كالسوائم الهائمة في الطرقات أو في البراري، و بتطبيقه اليوم ستكون سرقة السيارة غير مستوجبة للقطع لأنها سائبة ، بينما ستكون سرقة الكاسيت الموجود بداخلها هي العقوبة التي تستحق القطع ، لأنه في حرز حسب شريعتنا . المهم أن ذلك إنما يعني استحالة تطبيق العقوبات البدنية بشكل نضمن فيه العدل التام و عدم ارتكاب الإثم في الحكم ، و هو ما يعني أيضاً أن الشريعة كما هي عليه الآن هي وضعية كأى قانون وضعي ، من وضع فقهاء لم يكن يأتيهم جبريل بالوحي .
و من بين هذه الشرائع التي وقفت عند زمانها لا تريم حراكاً ، ويتم فرضها على واقعنا التشريعي و القانوني فيما يعرف بقوانين الأحوال الشخصية ، و التي هي الأشد مساساً بمعاش الناس اليومي ، قوانين الزواج و الطلاق التي لا تكترث لجريمة الخيانة إلا مع الأنثى المحرم عليها ما هو حلال للذكر ، فله الزواج بأربعة ، و له وطأ ما لا عدد له بما ملكت يمينه دون أن يعتبر ذلك زنا في حق الحياة الزوجية تستحق العقوبة و أقلها فسخ العقد برغبة الزوجة المتضررة ، و هو ما لم يحدث إلا بعد إقرار قانون الخلع في مصر ، و الذي يعيد للزوج كل مليم دفعه بعد الأكل و المرعة و المتعة ، حتى تستطيع الزوجة أن تنال عتقها . هذا بينما شرائع البشرية كلها تعتبر إقامة أى علاقة خارج الزواج المفرد على أى لون كانت هي خيانة زوجية . و يحق للزوج طلاق زوجته دون إبداء أي أسباب ، و الشريعة على تنوعها الفقهي لا تعطي للزوجة أى حقوق بمجرد تطليقها أللهم إلا شروطاً سبق إشتراطها أو مؤخر صداق وافقا عليه ، و لسد هذا النقص الشديد اخترع الفقهاء كلّ حسبما ربنا قدره عليه ، بإلزام الزوج بنفقة لزوجته مؤقته ، لم يحدد مدتها و متى تتوقف ( مثلاً عند زواج المرأة مرة أخرى لوجود من يعولها ) ، و هي في الغالب لا تزيد عن مكافأة سنة ، أو نفقة بعدد القروء الأربعة ، إضافة إلى إجتهاد بسنة أخرى تكاليف على الزواج مقابل المتعة و تسمى نفقة متعة .
و هكذا انحرف المسلمون عن الميزة التأسيسية للإسلام التى تخصه بالفرادة بين الأديان ، و هى الاعتقاد في مقدس واحد هو إله مطلق فوق الزمان و المكان ، فاعتقدوا في عصمة رجال مثلنا يصل عددهم إلى الآلاف ، فقدسوا الصحابة استناداً إلى حديث : ” أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ” ، و تعريف الصحابي هو من رأي الرسول و لو ساعة ، أي و لو لحظة ، و بهذا يكون تعداد الصحابة المقدسين بالآلاف ، و هكذا استبدل المسلمون جاهلية ما قبل الإسلام ، بجاهلية أكثر نكاية و أشد ضرراً ، تفتك بعقل المسلمين فتكاً ، و عادوا وثنيين ، و أشد ضراوة في وثنيتهم من الوثنيات التقليدية في تاريخ الأديان . بينما الإسلام نفسه كان واضحاً غير ملتبس في قصر القدسية و العصمة على كيان واحد في الوجود هو : الذات الإلهية ، و نعى الوثنيات و الشركيات و الراكنين إلى ما وجدوا عليه آبائهم الأولين ، و خاطب مصطفاه بكل صفات العبد التام العبودية ، و أنه مجرد حامل للرسالة ليس أكثر ، فلا هو رب و لا هو ملك و لا هو معصوم عن بشريته لأن المعصوم هو الكمال الإلهي وحده ، و مع ذلك أعطاه المسلمون أعلى صفات الألوهية و هي العصمة و الكمال ، و هو يناقض تاريخ جدل الوحى مع الواقع و تدخله الدائب لإصلاح مسار أو قررات أو مواقف أو تشريعات ، أخطأ فيها النبي ببشريته و فطرته . فالنبي محمد ( ص ) في صحيح إسلامنا هوعبد من عباد الرحمن و نبي كريم ، أدي رسالة ربه تامة كاملة صافية بيضاء نقية ، و قد خشى النبى ( ص ) من أى قدسية قد تلحقه شخصياً إذا ما حفظ المسلمون كلامه ( حديثه ) إلى جوار القرآن كلمة الله التامة ، لذلك نهى و أكد النهي عن تدوين حديثه و أمر بوضوح : ” لا تكتبوا عني سوى القرآن ” . و رغم ذلك سمح المسلمون بالتدوين عن نبى نهاهم عن التدوين ( ومانطق عن هوى ) ، بل و اختلاق الأحاديث المكذوبة ونسبتها إلية ، بل وحازت تلك الأحاديث قدسية في المذهب السني ترفعها فوق القرآن كرامة و فعلاً و قدسية ، فقالوا أنها تنسخ آيات القرآن ، كما في إصرارهم على وجوب الاستمرار بالعمل بحد رجم الزاني المحصن استناداً للحديث وحده دون وجود نص في القرآن بهذا الحكم ، و إن كان حد الرجم في الأصل نصاً قرآنياً منسوخاً فالذي نسخه و ألغاه حتى اختفى من القرآن المدون ، هو صاحب القرآن ، رب العزة و الجلالة ، و ليس فقيهاً من الفقهاء ، ” قاتلهم الله أني يؤفكون “.
كل هذا الرتل مضاف إليه الزي المشيخي أصبح محل هيبة ورهبة و تقديس و عصمة و كمال مطلق ، حتى ألحق المسلمون القدسية بمن لا قدسية لهم من بشر كالصحابة مثل أبي بكر و عمر وعثمان وعلى وغيرهم ، أو كالمحدثين مثل البخاري ، أو الإخباريين كابن كثير ، حتى وصل التقديس إلى مشايخ وعاظ كالشعراوي مثلاً . فأصبحت تقام له المقامات و تعقد له الندوات و تصنع لتاريخه مسلسلات تعيد زمن المعجزات والألطاف الربانية ، المفتراة على رب العزة .
ترى . . . هل أهان المسلمون ربهم . . . فأهانهم وخسف بهم و كسف عنهم فصاروا عبرة للأمم عندما تضل بها المسالك إلى المهالك ؟ هذا هو أول الغيث القاسى و بداية التشخيص الموجع ، في خريطة الطريق نحو الإصلاح .

د. سيد القمني

2007 / 3 /13

#سيد_القمني (هاشتاغ)

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *