خريطة الإصلاح 5
خريطة الطريق نحو الإصلاح : ( إنقاذ الإسلام من براثن المسلمين ) :
( 5 ) هل غير المسلم غير ذي خلق بالضرورة ؟
قبل أن تقرأ الموضوع : _
بعد نشر الحلقات السابقة من هذه السلسلة نعتني أحدهم بالقمام الذي لا يجمع سوى قمامة التاريخ ، و القمام بالبلدي الفصيح هو ( الزبال ) ، معبراً بذلك عن كوني جامع قمامة ، و جمع القمامة في التراث العربي الأبي التليد هي مهنة حقيرة و محتقرة أراد الكاتب تحقيري بها ، لأن العربي أصلاً يأنف العمل اليدوي كالزرع و الحصد و الصنع ، و و يحتقر الإكاره ( الفلاحة ) ، فما بالك بمن ينظف له قمامته ؟ المهم أنه بعد أن ينظف لهم القمام قمامتهم يحتقرونه ، بهذا المعنى قصدني الأخ المسلم ، دون أن يسأل نفسه من أين لي بهذه القمامة ؟ و ما هي هذه القمامة بالضبط التي أسقط عليها و أجمعها ؟ أليست قمامة ثقافتك يا أخي المسلم ؟ أم أني صانعها ؟ إني عندما أنظف عقلك أكون باحثاً محترماً لا يخجل من النبش في القمامة ، فالباحث كالطبيب ينظف الجروح من القيح و الوسخ و يطهرها من الأدران ، ثم يرقى فوق ذلك بكونه ينظف الدماغ مما فيه من قمامة ، و لنركز هنا إذن على القيم الأخلاقية التي هي الملكية الخاصة للمسلمين التي يباهون بها الأكوان بدلاً عن القمامة.
تعالي يا أخي المسلم نكشف معاً عن قمامة ثقافتك و مناهجك في التفكير ، حتى تعود سليماً معافى تشارك الدنيا بالعطاء و تنعم مع المنعمين فيها بالتقدم و السعادة و الرفاة و المعرفة و الرقي العلمي والأخلاقي ، عوضاً عن القتل والقتال.
الموضوع : _
أعراض عصابية سيكوباتية شديدة الاستعصاء ، أصابت القيم الأخلاقية عند المسلمين في مقتل ، و هي لون من المسلمات التي لا دليل على صدقها في الواقع ، بل أن الواقع ينفيها و يكذبها ، مسلمة تقوم على ما يشبه الاعتقاد الديني ، و هو أن الإسلام تحديداً من بين كل أديان الأرض سماوية و أرضية هو المعبر الصحيح عن القيم الأخلاقية ، و أن غير المسلم هو بلا أخلاق بالضرورة ، فقط لكونه غير مسلم .
مشكلة المسلم مع القيم شديدة التعقيد ، فهو يقيم مناهجه القيمية على عقائد دينية ، و لأنه يعتقد أن عقيدته وحدها هي ما تملك تمام الأخلاق الذي يلازم تمامية المعرفة بالضرورة . لكن ذلك تحديداً هو ما يجعله يفترض بالضرورة أن غير المسلم لا يملك معرفة سليمة ، كذلك هو بالضرورة لا يملك أخلاقاً سوية حتمياً ، و كان سلب القيم الأخلاقية عن العدو و لازال سلاحاً فعالاً في الحرب النفسية و لتجييش من يظنون أنفسهم الأبرار و الأطهار ضد الأشرار ، فيتم تنجيس و تبخيس الغير أولاً حتى يكون الضمير مرتاحاً عند قتل هذا الغيرفي عقيدة الجهاد ، يكون قد استحق مصيره و شن الحرب عليه و قتاله و قتله .
و لهذه الأسباب تحديداً ، و علي مثل هذه العقائد بالذات و بالتخصيص ، قامت حروب الفتن الإسلامية و حروب الفتوحات التي حصدت ملايين المسلمين و غير المسلمين ( حوالي مليون و نصف إنسان خلال السنوات الأربع الأولى من الفتوح خارج الجزيرة في زمن كان المليون إنسان رقماً هائلاً بحسب تعداد المجتمعات حينذاك ) ، لأن هذه الحروب قامت على اعتقاد بامتلاك المسلمين للحقيقة النهائية في فهم الدين و الدنيا ، ثم امتلاك كل طرف مسلم في حروب الفتن للحقيقة التامة ، و أنه وحده من يملك قيماً أخلاقية ، في مقابل اعتقاد الطرف الآخر لذات الاعتقاد في قيم أخرى مخالفة تقوم على فهم آخر للإسلام ، فكانت قيماً ذاتية تتأسس على الهوى و ليس لها في الواقع معياراً محدداً يثمنها بالإيجاب أو بالسلب ، من يحدد القيمة و يصنعها هو شخص صانعها و عادة ما يكون هو القوى المنتصر . هذا رغم أن العالم حينذاك كان قد اكتشف القيم الموضوعية ( الإكسيولوجية ) منذ فلاسفة اليونان قبل الإسلام بقرون و أزمان ، و تواضع الفلاسفة على ثلاث قيم مطلقة لا يختلف حولها اثنان لذلك هي موضوعية يفهمهل الكل بكل وضوح ، و هي : الحق و الخير و الجمال . لكن الإسلام لم يظهر لا في أثينا و لا في روما ، و إنما في فيفافي الحجاز ، و خاطب الناس في هذه البوادي القاسية بلسانهم و فهمهم و معارفهم و قيمهم و ليس بمعارف و قيم الأعاجم .
كانت القيم الذاتية في الجاهلية الأولي هي الشأن الطبيعي في ثقافة العربي ، لأنه لو طبق القيم الغيرية كالكرم و الإحسان لمات في بواديه جوعاً ، فكانت القبائل تتحرك في البوادي بحثاً عن خيرها الضنين ، فتتقاتل عليها قتالاً صفرياً لا توجد فيه موائد صلح و لا مبادرات سلام ، فيه قاتل يا مقتول ، فتقتل القبيلة من تقدر عليه من القبيلة المهزومة ، و تستولى على ما تملك جميعاً عيون الماء و السوائم و المتاع ، و تبقي من البشر على من يمكن الاستفادة منه فقط لأن له فم يأكل ، فيجب أن يكون لوجوده ضرورة ، و عدم وجوده أفضل . لذلك كانت العبودية عموداً من أعمدة المجتمع البدوي من فجر تاريخه ، بينما لم تعرف مصر مثلاً نظام العبودية طوال تاريخها إلا عندما دخلها البدو اليهود زمن النبي يوسف والهكسوس، و لم يرتق العرب إلى التواضع على قيم كالكرم و الوفاء بالوعد و الصدق في القول إلا مع الإستقرار المدني لمكة ، و التي تحولت إلى مركز تجاري ترانزيتي ، ثم أمسكت بعنان تجارة العالم إبان الحرب السبعونية بين إمبراطورتي الفرس و الروم ، و فرضت مصالح التجارة و ضرورة سيولتها و سلامتها التي تعود بالنفع على الجميع ، ضرورة توافق العرب على قيم النخوة و المروءة و الأمانة و النجدة و الإجارة و الكرم و الوفاء بالعهد ، و كان ذلك تحديداً إبان العصر الجاهلي الثاني منبع كل فضائل العرب ، و الذي انتهي بظهور الإسلام و العودة بالعرب إلى قيم الجاهلية الأولى حيث قيم الغزو و السلب و النهب و السبي و الحروب الصفرية .
و هو الأمر الذي تعبر عنه رواية ابن عبد ربه في عقده الفريد ( ج 5 ص 132 ) عن صحابة لرسول الله جلسوا يتذاكرون الجاهلية الأخيرة مقارنين بينها و بين زمن الصحابة ، ” قيل لبعض أصحاب رسول الله ( ص ) : ما كنتم تتحدثون به إذا خلوتم في مجالسكم ؟ قالوا : كنا ننشد الشعر و نتحدث بأخبار جاهليتها . و قال بعضهم : وددت أن لنا مع إسلامنا كرم أخلاق آبائنا في الجاهلية ، ألا ترى عنترة الفوارس جاهلي لا دين له ، و الحسن بن هانئ مسلم له دين ، فمنع عنترة كرمه ما لم يمنع الحسن بن هانئ دينه ، فقال عنترة في ذلك :
و أغض طرفي إن بدت لي جارتي . . . حتى يواري جارتي مأواها
فقال الحسن بن هانئ مع إسلامه :
كان الشباب مطية جهل . . . و محسن الضحكات و الهزل
والباعثي والناس قد رقدوا . . . حتى أتيت حليلة البعل ”
قامت حروب الفتن الإسلامية على اعتقاد كل فريق بصوابيته المطلقة ، فيخوض حرباً صفرية ضد الطرف الآخر ، وكانت الحرب الصفرية إبادة تامة بمعنى الكلمة ، و هو ما تمثل في إبادة بيوت بكاملها كما في أبشع مثال مخزي في تاريخنا إبادة آل بيت الرسول حتى قتلوا الأطفال الرضع ، ثقافة أكلت بيت مؤسسها ، و تمثلت أيضاً في حروب الفتوح حيث تمت إبادة ممالك بكاملها مثل مملكتي الغساسنة و المناذرة التي انتهت من الوجود في الجغرافيا و في التاريخ ، و كانت ممالك عربية ، لا فارسية ، و لا رومية .
حرب العربي إما كل شئ ، أو لا شئ ، من النهر إلى البحر و لو فني الجميع ، لأنه لا يري الآخر مطلقاً و لا حق لهذا الآخر في الحياة ، فهذه مفاهيم حديثة لم تكن قد وجدت في القرن السابع الميلادي بعد في مجتمعات البداوة ، التي لم تعرف لا قوانين روما و لا فلسفة الأخلاق اليونانية و لا ديمقراطية أثينا ، و لم توجد في بلادنا حتى اليوم لأننا لازلنا نعيش في القرن السابع الميلادي بعد ، بل و حولنا بلادنا إلى القبلية العنصرية الطائفية المتناحرة ، زيادة في الأخلاص حتى نعيش نفس المكان و نفس الزمان عند خير القرون . و بقيم ذلك الزمان ، و هي القيم التي تحتاج إلى دراسة متأنية مستفيضة ، لأنها الموجه لسلوك المسلم اليوم و تصرفاته ، و تقف وراء تفكيره و أهدافه ، لبحث مدى تأثير هذه القيم إن إيجاباً أو سلباً ، في عملية الهدم و البناء الضرورية في عملية الإصلاح المرتقبة .
تعجب اليوم في العراق _ الذي عشقته كمصر و تيمت به و بأهلي و ناسي هناك _ إذ أخذه أهلي و ناسي ( ليمزقوا نياط قلبي ) إلى نفق الطائفية المظلم فعاثوا في عراقنا الفساد و سفكوا الدم البرئ ، في فتن جديدة تقوم على فتاوي جديدة ترى كل منها ذاتها الكمال كله وعداها الباطل كله ، عادوا قبائل متفرقة بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يصبحون بنعمته إخوانا .
مصر القديمة تحولت إلى بلد حضاري مستقر متماسك منذ ما يزيد عن سبعة آلاف عام ، و لم يكن فيها كعبة ، و لم تكن فيها قباب مقدسة لآل البيت ، و لم يكن فيها إسلام هو الحل ، و أيضاً لم تحدث فيها تلك الفتن بين أهلها و بعضهم ، لم تحدث في مصر حرب أهلية واحدة في أزمنتها القديمة. هنا الفارق الثقافي الذي تصنعه البيئة مع الإنسان جنباً إلى جنب ، ليبرز الفارق القيمي بين قيم الإستقرار و قيم التبدي . كذلك كان العراق ، فمن إسمه اشتق اللسان العربي معنى ( العراقة ) ، و مع الغزو الحقيقي التتري التكفيري للعراق ، آتيا من السعودية و مصر و إيران و سوريا و الجزائر و اليمن ، بعد سقوط الطاغية ، و كل بفتواه ، و كل قد حول الرأى إلى قول مقدس ، فتتقدست الفتوي إلى حد يباح فيها دم الذي لا يأخذ بها فهو من الكافرين ، إن سنة نبي الأمة كان فيها ما إن لم نأخذ به لم نأثم ، فجاءنا فقهاء آخر الزمان بفتاوي قاطعة الثبوت و الدلالة قاطعة الصحة و اليقين ، دون أن يشيروا إلى مصدر قدسيتهم التي تعلو على صاحب الوحي جبريل و على رسول الله ( ص ) ؟ ! فتاوي تصل إلى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، لأنهم يرون الحق كله معهم وحدهم .
ما الذي سيترسخ في ذهن الطفل الصغير عندما يتعلم و يحفظ الآيات القائلة : ” أرأيت الذي يكذب بالدين ؟ ! فذلك الذي يدع اليتيم ، و لا يحض على طعام مسكين / 31 / الطاغوت ” .
أن معني الدين في الإسلام هو الإسلام وحده ، و إن الذين لا يؤمنون بهذا الدين ، هم الجفاة القساة غلاظ النفوس ، أنهم يدّعون اليتيم ، بل و زيادة على هذه الخشونة في الضمير هم أشرار ، فهم لا يكتفون بدع اليتيم ، إنما لا يتداعون بينهم بالنصح و الإرشاد لإطعام المسكين . إن فهم هذه الآيات منزوعة من سياقها الزمكاني التاريخي و الموضوعي في أحداث الأرض زمن الدعوة ، هو فهم سطحي سريع ، و ليس في وقت المسلم اليوم أمام المكتبة الإسلامية الهائلة كماً و كيفاً ما يجعله يبحث عن السياق و عن التاريخ ، هو في حاجة لمختصر مفيد بسيط ، يكرره الفقهاء و يصدقه العوام ، و هو أن غير المسلم بلا أخلاق و بلا إنسانية ، بل أنه من البديهيات لمن يعلن أنه مسلم ، أنه بالضرورة و بالتلازم القسرى صاحب قيم أخلاقية رفيعة ، ألا ترون عبد المنعم أبو الفتوح القطب الإخواني ذائع الصيت في حوار معه علي شبكة إسلام أون لاين ، يقول متسائلاً مستغرباً مندهشاً مستنكراً : ” كيف يُتصوّر أن يكون هناك أخ مسلم يدعو الناس إلى الصدق و الأمانة ، ثم يكون في سلوكه و أعماله صورة سيئة ضد الصدق و الأمانة ” ! ! ؟
و مثله الشيخ قرضاوي يحدثنا عن المجتمع المسلم فيقول : ” و يقوم ذلك المجتمع على آداب و تقاليد خاصة ، تجعله نسيجاً وحده غير مقلد لغيره ممن بعد عنه زماناً أو بعد عنه مكاناً / ملامح المجتمع / مكتبة وهبة / ص 109 ” . و في كتابه ( الإخوان المسلمون / مكتبة وهبة 1999 ) ، يقول الشيخ قرضاوي ناقلاً عن سيده حسن البنا ، واصفاً المجتمعات غير المسلمة : ” من أهم الظواهر التي لازمت المدنية ، الإلحاد و الشك في الله و إنكار الروح و نسيان الجزاء الأخراوي ، و الإباحية و التهافت على اللذة و التفنن في الإستمتاع و إطلاق الغرائز ، و الإثرة في الأفراد فكل إنسان لا يريد إلا خير نفسه ، و الربا و الاعتراف بشرعيته و اعتباره قاعدة للتعامل ، و قد أنتجت هذه المظاهر المادية البحث في المجتمع الأوروبي فساد النفوس وضعف الأخلاق ، و التراخي في محاربة الجرائم فكثرت المشكلات و ظهرت المبادئ الهدامة ، و أثبتت المدنية الحديثة عجزها التام عن تأمين المجتمع الإنساني . . و فشلت في إسعاد الناس / ص 139 ، 140 ” ، و هو ما يكرره قرضاوي بعد ذلك كمسلمات في معظم كتبه ، فهو مثلا يقول في كتاب ( ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده / مكتبة وهبة / 2001 ) : ” إن المجتمع المسلم متميز عن سائر المجتمعات بمكوناته و خصائصه ، فهو مجتمع رباني إنساني أخلاقي متوازن ، و المسلمون مطالبون بإقامة هذا المجتمع حتى يمكنوا فيه لدينهم و يجسدوا فيه شخصيتهم ، و يحيوا في ظله حياة إسلامية متكاملة ، حياة توجهها العقيدة الإسلامية ، و تزكيها العبادات الإسلامية ، و تقودها المفاهيم و تحملها الآداب الإسلامية ، و تهيمن عليها القيم الإسلامية ، و تحميها التشريعات الإسلامية ، و توجه إقتصادها و فنونها و سياستها التعاليم الإسلامية / ص 7 ” .
أنظر حركات الشعوذة و أساليب الحواة الرخيصة و الثلاث ورقات ، إن الفقيه المسلم التقي الورع يسم غير المسلمين جميعاً بكل نقيصة أخلاقية يعددها واحدة فواحدة ، و ذلك كي تظهر الفروق بين المجتمع المسلم و المجتمع غير المسلم ، ثم يمنح المجتمع المسلم كل الصفات الإيجابية لأنه مجتمع رباني إنساني متوازن . . إلخ . . إلخ ، ثم تكتشف فجأة أن هذه المقارنة تتم بين واقع غير المسلمين ، و بين المجتمع المسلم الذي يطالبنا الشيخ بإقامته ، فهو مجتمع غير قائم بالفعل ، مقارنة بين واقع أهل الغرب ، و بين وهم و حلم بمجتمع غير موجود بيننا . ناهيك عن عنوان الكتاب المخصص لبيان ( ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده ) ، الشيخ قرضاوي بعد مضي ألف و أربعمائة سنة و ربع القرن و نيافة عليه ، جاي النهاردة يبحث لنا عن ملامح المجتمع المسلم المزمع إيجاده إن شاء الله ، لأنه لازال في مرحلة التمنى ، فهو ( الذي ننشده ) ، فكم من القرون سننتظر يا ترى ؟ هل هناك خلل فادح في أخلاق المسلمين كذباً على الذات أظهر من هذا و أجلي ؟ هذا الرجل من كبار أولى الأمر و لفتاواة أثرها الجليل الذي نراه اليوم في مجازر العراق و غيرها من بلاد المسلمين و غيرالمسلمين . فانظر إلى ما يعتور قوله المدهش دون أن يشعر هو و لا أتباعه بأي عوار و لا بأي دهشة ! ! ……… يا عينك . . يا جبايرك !!! . . هكذا تكلم الشيخ سيد درويش احد أعلام نهضة مصر المقبورة بفتاوي مشايخ آخر الزمان .
ثم يكرر قرضاوي عاطفاً مقارناً بين المجتمع غيرالمسلم و بين المجتمع المسلم الوهمي المتخيل ، فيعطينا وصفاً لهذا المجتمع المسلم ، حشده بطول كتابه و ما أطول كتبه من حيث المساحة ، سأحاول هنا العثور على ما أجمله فيها من عبارات بلسانه : ” فهو مجتمع العدل و الإحسان و البر و الرحمة و الصدق و الأمانة و الصبر و الوفاء و الحياء و العفاف و العزة و النجدة و السخاء و الشجاعة و الإباء و الشرف و البذل و التضحية و المروءة و النجدة و النظافة و التجمل و القصد و الاعتدال و السماحة و الحلم و التضحية و التعاون و الغيرة على الحرمات و الاستعلاء عن الشهوات و الإيثار للغير و الإحسان للخلق كافة و بر الوالدين و صلة الأرحام و إكرام الجار ، و الإخلاص له و التوبة إليه و التوكل عليه . . مجتمع يحرم كل الرزا-ل و الأخلاق الرديئة فيجعلها في مرتبة الكبائر، فيجرم الخمر و الميسر و الزنى و الشذوذ الجنسي و يحرم عقوق الوالدين و إيذاء الآخرين باليد أو باللسان و يجعل من خصال النفاق الكذب و الخيانة و الغدر و إخلاف الوعود و الفجور في الخصومة / ص 90 ، 91 ” .
و هكذا حشد الشيخ كل ما تفتقت عنه قريحته من أحلام بدوية على قيم حداثية على فضائل متخيلة، للمجتمع المنشود و الذي سيقيمونه عندما يتمكنون في الأرض ، يمني به المسلمين أمانى وأحلام بالمدينة الفاضلة التى لم تقم على الأرض يوما ، و يتفاخر به على قيم وأخلاق الكفرة العراة الفساق الفجرة ؟ ! ! فخر بما لا يملك في الواقع بدليل أنه يتمناه و يرسم له الخطط ، فخر العربي الكاذب الفقير الجاهل القليل المريض العارى القائل :
” نحن قوم إذا ولد الوليد فينا * * * خرت له جباة الملوك ساجدينا ”
شاعر أخر عبر عن قيم العروبة في العداء الصفري بقوله :
” نحن قوم لا توسط عندنا * * * لنا الصدر دون العالمين أو القبر ”
فيعطيه الواقع القبر دون العالمين .
الأخ أبو الفتوح لا يتصور من أخ مسلم غير الصدق و الأمانه فقط لأنه أخ مسلم ، و لو كان يقصد الإخوان وحدهم فهو يصورهم لنا مجتمعاً من الملائكة الأطهار ، و هو بمقارنته بالواقع يظهر كلامه مجرد شعر فخر كاذب ، فلا هو تخر له جباة الجبابرة و الملوك ساجدين ، و لا هو حقيقة ، هو مجرد شعارات ترويجية ليس أكثر ، ألا ترونهم يعلنون تحريم الربا و يتحايلون عليه ألف حيلة في بنوك إسلامية هي ربوية بالكلية و إلا سقطت و إنهارت بين بورصات الأوراق العالمية . و يفعلون و هم يعلمون ، ” ويل للذين يحرفون الكتاب بأيديهم و هم يعلمون ” ، و يخادعون ربهم علناً عياناً بياناً ، فأى مرض عصبي و عقلي لحق بالضمير المسلم ؟ !
يتكلم قرضاوي و أبو الفتوح عن الشرف ، لكنهم لا يعلنون انتهاء العمل بأحكام آيات انتهى زمنها ، لا يعلنون انتهاء زمن هتك عرض غير المسلمين و السبي .
يتكلمون عن الحريات و يقيمون علم فقه كامل للعبودية يدرسه عيالنا في المدارس الدينية حتى اليوم .
يتكلمون عن حقوق الإنسان و هو مفهوم معاصر لم يكن في تاريخنا و لا تاريخ غيرنا في تلك الأزمان ، و في الوقت ذاته لا يعترفون بأي حقوق لغير المسلمين ، فهم كفار ، إنهم خارج الإنسانية ، فالإنسانية للمسلمين وحدهم .
يتحدثون عن حق الأمن و السلام و يرون أوطان غيرهم ديار حرب ، و من الشرع في أرفع الدرجات الاعتداء على غير المسلم و قتله و سلبه و نهب و سبي عياله و نسائه حسب عقيدة الولاء والبراء ، و الجهاد .
الشيخ المسلم و هو يكذب على نفسه و على المسلمين ، سواء داعية و مرجعية للجميع مثل قرضاوي ، أو كان عنصراً سياسياً حركياً مثل أبي الفتوح ، يتحول إلى نصاب من وجهة نظر القيم الأخلاقية ، أليس نصاباً من يعطي قيمة لشئ و يسلبها عن مثيلة ؟ أليس أفاقاً من يقف فوق رؤوس الأشهاد يعلن منحه القيم لهؤلاء و يسلبها عن هؤلاء ، بينما هو يمنح شيئاً ليس بيديه ليميز بهم بشراً لا يستحقون عن بشر يستحقون ، أترون إلى أين وصل الخبال بالعقل المسلم ؟ ! إن من لا يملك يعطي لمن لا يستحق ببساطة و خفة و على رؤوس الأشهاد جهاراً نهاراً ، بالكلام و البلاغة ، فنجرة بُق ، مجرد كلام لا أصل من واقع له . إن من يعلن نفسه مانح القيم أو صاحبها الأصلي هو نصاب أشر ، لأن القيمة الأخلاقية ليست ملكية خاصة لقوم دون قوم ، و ليس فيها عرب و عجم ، القيمة هي جزء أصيل في الموضوع أو في الواقع ، و تظهر إلى الوجود عندما يتم اكتشافها و تفعيلها في أى مكان أو زمان ، بينما المسلمون يمنحون أنفسهم القيم منحاً كريماً و سخياً إلى حد الإبتذال ، لإن العاطي في هذه الحال هو رب المسلمين الذي خص أمته وحدها بالخير دون بقية عيال الله في الأرض جميعاً ، و أعلنها خير أمة أخرجت للناس .
و هكذا هو ينفي القيم الأخلاقية الموجبة عن غير المسلمين جميعاً ، لذلك يتحدث عن حقوق الإنسان لكنه لا يعطي المرأة في بلادنا حقوقها كالذكر من باب العدالة ، لأن هذا الحق تحديداً ظهر عن الغربيين و هم بلا أخلاق لأنهم غير مسلمين ، و بهذه الطريقة ينفي الرقي عن قيم غير المسلمين لأنها عنده لا تخضع لمعيار الصواب و الخطأ و النفع و الضرر و الخيرية و الشرية ، إنما تخضع لمعيار الحلال و الحرام كمنظومة قيمية ربانية ثابتة لا تقبل تغيراً أو تطوراً . هنا سيكون الكلام عن حقوق الإنسان كحريته في اختيار معتقده ، أو حريته في نقد دين من الأديان كعمل بحثي أكاديمي ، أو نقده لبقاء فقه الرق حتى اليوم في معاهدنا الدينية ، سيكون ذلك كله فهماً غربياً في بلاد يعيش أهلها ” حياة بهيمية ” ، كما يصفهم كتاب التوحيد المقرر على أولى ثانوي بالسعودية المباركة . و مثله بالضبط سيكون الكلام عن الحرية هو قول كفري ضد الدين ، لأن الدين فيه فك رقبة ! فكيف سنفكها إن لم نفعل فقه الرقيق و نعمل به حين نعيد فتح البلاد لأنوارنا ؟ الخلل حادث نتيجة منح القيم لأنفسنا و سلبها غيرنا ، فلا نفهمهم و لا يفهموننا ، و نتحول إلى عالمين متباعدين في وقت تتوحد فيه الأرض كلها ، الخلل أن المسلم لا يدرك أن الحرية كقيمة أو أى قيمة أخرى لا علاقة لها بأى دين ، لأن القيم بما نفهمها من قيم اليوم الراقية لو كانت موجودة في أى دين لأمر بتحريم الرق فوراً و هو ما لم يفعله أى دين ، لأن هكذا كان منطق زمانه و نظم عصره .
و مازالت لنا وقفات ربما ستطول مع القيم الأخلاقية و المسلمين .
د. سيد القمني
2007 / 4 /22