من المحتال ؟
سبق أن أوردنا هنا الحديث المنسوب إلى نبي الإسلام “ص” ، بصدد معركة الخير والشر قبل القيامة والذي يقول أن الحجر والشجر سينطلق في هذه الملحمة ينادي المسلم “ورائي يهودي يا مسلم تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود” ، ويدرس هذا الحديث طلبة في منهج التوحيد ويضيف المؤلف هنا بذكاء معهود : إن اليهود يكثرون هذه الأيام من زراعة شجرهم “الغرقد” في إسرائيل حتى لا يفتن عليهم للمسلمين يوم الملحمةالكبرى .
وقد حملت المذيعة “باربرا والترز” هذا الموضوع إلى السيد وزير خارجية السعودية، وقرأت له نص الحديث ، فجاءت إجابة السيد الوزير مدهشة للغاية، كانت إجابته أولاً دهشة شديدة للغاية ، دهشة عظيمة كأنما هو يسمع به لأول مرة ، ثم أتبع الدهشة بالنفي القاطع أن يكون هناك حديث نبوي يقول مثل هذا الكلام ، وأكد أن هذا الكلام غير صحيح إسلامياً ، وان الأمر فيه لبس ولاشك ، ربما يعود لخطأ حدث في الكتب المدرسية .
وموقف سيدي الوزير يحمل دلالات تتضمن دروساً وعبرا نستعبر بها لنقرأ الدلالات ، فهو أولاً ينكر حديثاً لا يخلو كتاب من كتب الحديث الصحيحة منه أو يكاد ، وهو بذلك إنما ينكر معلوماً من الدين بالضرورة ، وهو أمر راسخ في تاريخنا الفقهي ، وله حدوده وعقوباته التي أرساها هذا الفقه ، ويطبقونها علينا دون المشايخ والوزراء والسلاطين وقتما شاءوا وحيثما تمكنوا .
لا يمكننا هنا قبول دهشة السيد الوزير بهذا الشأن ببساطة وخفة لأنها ليست مما يمر مر الكرام ، فدهشته ليست مجرد إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة ، فقد كانت دهشة استنكارية مصطنعة ، دهشة تنفي وجود حديث بهذا النص والمعنى ، مع اشتمال هذا المعنى على عداء تاريخي قديم يجب وفق أوامر الحديث المضمرة فيه أن يستمر حتى قبل قيام الساعة بقليل ، ويومها يبدأ الحديث فعله في الواقع فتحدث المعجزات وينطق الحجر والشجر ، ما عدا الغرقد الداهية الكتوم الذي يداري أصحابه ولا يشي بهم إخلاصاً ووفاء لأنه شجرهم “لا تفهم كيف ؟ وهي هناك شجر ينبت لإناس بعينهم ويسلك مسلك كلاب الحراسة ولا ينبت لآخرين” ؟ ولا تعرف ما هو هذا الغرقد ، فهو شيء كالعنقاء والقنطروس وأبو رجل مسلوخة ، لا معنى له سوى إضفاء طابع الواقعية على الحكاية . . فالشجر اليهودي له اسم ، المهم أن يكون للاسم غموض ، وهو ما يحمل معاني الآسطورة والخرافة فصيحتان وهي معان تجاوزتها الأزمان والأيام واستبدلتها بمنهج التفكير العلمي الذي لن يرى في هذا الحديث سوى عقلية أسطورية ذهبت مع زمانها ، دون أن يصدق أي عقل سليم صاح أن في زماننا من يصدق ذلك حقاً .
ثم إن موقف سعادة الوزير يحمل ضمناً موقفين : الأول موقف ازدراء الإسلام بسبب هذا الحديث ، وهي التهمة التي طالما صادرونا وحاكمونا بسببها ، لأن دهشته الاستنكارية هي ازدراء واضح للإسلام تجب محاكمتة علية .
أما الموقف الثاني فهو الخجل من دينه الذي تركه وهرع هارباً يختفي تحت قناع الدهشة المصطنعة ، ثم يقدم لنا نفسه بوصفه العارف بصحيح الدين وأن هذا الحديث ليس ضمن هذا الإسلام الصحيح الذي يعرفه.
وهنا عندنا مشكلة مستمرة بلا حل ، فالجميع يتحدث عن الإسلام الصحيح دون أن نعرف حقاً ما هو الإسلام الصحيح الذي يتفق مع أخلاق زماننا ومناهجه في التفكير ، ودون أن يقدموا لنا مرة هذا الصحيح بعد أن يتفقوا عليه مرة واحدة .
مشكلة سيدي الوزير وكل سادتنا أدامكم الله وعافاكم سواء كنتم رجال دين أو رجال حكم ، أنكم تريدون الإسلام كما كان في زمنه لتعملوا به في زمن جاء بعده بألف وأربعمائه عام تغيرت فيها المفاهيم والقيم والعلوم وبعضها وصل في تغيره إلى النقيض ،ودون أن تعترفوا ببساطة بفارق الزمن الهائل و المتغير الأهول .
لقد اعترف اليهود ببساطة ، واعترف المسيحيون ببساطة ، وكذلك باقي الأديان ، فمثلاً لم يعد ممكنا للمسلمين تفعيل ايات السبى وملك اليمين وآخذهن جواري في الحروب ، وإلا واجه من يفعل ذلك العالم كله وضميره كله ، ومما يخفف وطأة التنازل عن بعض مأثورنا وتركه لزمانه أن كل الأديان تخلصت مما يكبلها عن حضور زماننا ، وفي تاريخ اليهود تزوج النبي إبراهيم من أخته سارة ، وفي زواج النبي موسى من عمته يوكابد دون الشعور بالعار ، وفي قديم كل منا حتى حتى كأفراد ما يخجل منه لو فعله اليوم وإلا ما معنى التعلم والتطور والارتقاء على مستوى الفرد والإنسانية ؟! وبهذا المعنى لابد أن يتجاوز في حديث “خير القرون قرني” لأن خير القرون دوما هو آخرها وأحدثها لأنه آخر ما وصلت إليه الإنسانية من رفعة علمية وخلقية ، أما أخيرها فهو الذي لم يأت بعد .
ثم ينتهي سيدي الوزير يتخطىء كتب المدارس “كتب التوحيد” المقررة في بلاده مؤكداً أن ذلك خطأ من واضعي الكتاب للطلاب ، لكن دون محاكمة هؤلاء الذين وضعوا وألفوا هذا الأمر وفيه هذا الكره العظيم والعنف الكريه والتحريض على القتل ، لأنه حديث ضد كل معاني الإنسانية ، ثم إذا كان ما قال سعادة الوزير صحيحاً فلماذا تستمر ذات الكتب في فعلها في أرواح التلاميذ الصغار حتى اليوم ؟!
يشبه هذا الذي حكيناه حادثة أخرى مشابهة تحدث فيها القس “جيري فالويل” عن نبي الإسلام أنه جمع عدداً كبيراً من النساء وكان بينهن طفلة في التاسعة من عمرها “السيدة عائشة” بينما كان هو قد بلغ الثانية والخمسين من عمره ، ويغيب عن هؤلاء الذين يهاجمون هذا الشكل من الزواج كان عرفاً اجتماعياً معمولا به على نطاق واسع ، ولم يبدأ التباعد عن نكاح الفتاة الصغيرة إلا في زمن قريب بحكم تطور الأعراف والتقاليد ، وهو أيضاً ما لابد أن يدفع مشايخنا إلى التخلي عن تمسكهم بعادات انتهت ، فحتى اليوم تشرع السنة زواج بنت تسع عملاً بالسنة ، وهو تجمد مخيف وخطر ، وهو أيضاً ضد القانون ، المهم أن “فالويل” جعل المسلمين يشتاطون غضباً لينيبوا عنهم العضو الناشط في المنظمة العربية لمحاربة التمييز العنصري السيد حسين أبيش ليرد عليه في برنامج “كروس فاير” التليفزيوني ، وما كان من مولانا أبيش إلا أن كذب هذا الكلام جملاً وتفصيلاً ، واعتبره افتراء على الإسلام واتهاماً باطلاً لنبي الإسلام .
نشرت صحف الإنترنت أيضاً خبراً عن المعتدل “قرضاوي الديمقراطي” لا يشغلنا فيه الجانب الشخصي بقدر ما يشغلنا أنه تمت مطابقة الخبر مع السنة النبوية في زواج الصغار ، والخبر المؤكد أن سيدنا قد تزوج “بأسماء” التي تصغر صغرى حفيدات الديمقراطي وتفصلهما مسافة ستين عاماً أو يزيد ، ولم ينكر سيدنا الخبر ولم يقم بتكذيبه ، كما أن فعله هذا فتوى وتشريع .
ومع التداعي استدعى حادثة اخرى هي على ذات المنوال والنسج ، وكنت أحد أطراف الموقف المباشرين ، وذلك في برنامج “مع نشوة” على MBC حيث كنت ضيفاً على البرنامج وكان يجلس إلى يساري مباشرة السيد نهاد عوض المصري الأمريكي الإسلامي المشهور المسئول عن مؤسسة “كير” الأمريكية الإسلامية ، وهي غير مؤسسة كير التي شرفنا أبطال العراق بجز عنق ناشطتها هناك مارجريت حسن “!!” . فنحن هنا مع كير أخرى لها اهتمامات أخرى غير الخدمات الإنسانية .
كان عنوان الحلقة هو “الفوبيا إسلام” أو الخوف أو إرهاب الإسلام في أمريكا ، وكانت هذه الحلقة قبل أحداث سبتمبر 2001 .
أحضر السيد نهاد عوض معه فيلماً تسجيلياً صنعته مؤسسة “كير” وعرضه علينا ليثبت لنا أن أمركيا تعادي الإسلام وتكره المسلمين ، وأن المسلمين الأمريكيين يتعرضون لتمييز طائفي وتعصب عنصري ، لذلك فإن مؤسسته بحاجة للدعم المالي من المسلمين لتدافع عن مسلمي أمريكا ، وقدم دليلاً على نشاط كير في أمريكا جذباً للدعم المطلوب حكاية عن كتاب بين يديه ، وإن هذا الكتاب مؤلف ضد الإسلام ويتم تدريسه للطلبة الأمريكيين ، وأن به إساءة شديدة لنبي الإسلام حيث يحكي الكتاب أن النبي تزوج صفية بنت حيي ابن أخطب بعد مقتل أبيها وأخيها وزوجها وعامة عشيرتها ، وأن كير رفعت دعوى قضائية كسبتها وتم حذف هذا الجزء من الكتاب . والتهبت أكف الحضور بالتصفيق ! وبالطبع بالمناشدة للتبرع .
مددت يدي وتناولت الكتاب ففاجأني عنوانه فهو “الأديان في العالم” وليس كتاباً مخصصاً للإسلام ، وبسرعة ألقيت نظرة على الفهرست فإذا به عرض لكل أديان العالم كفكرة عامة فيما يبدو في ضوء عدم تدريس شيء اسمه التربية الإسلامية أو المسيحية في تعليمهم المدني .
هل تشعرون معي بحجم المأساة؟! مأساتنا نحن لا مأساة الأمريكان ، لأن الحدث المحذوف من الكتاب حقيقة تاريخية سجلتها مأثوراتنا الإسلامية جميعاً وعلى اتفاق ودون اختلاف ، ودونت أسباب الحدث وعوامله الموضوعية في زمنه وشكل الحرب التي كانت دائرة حينذاك وقوانين الحرب التي كانت تضع النساء المهزوم سبايا للمنتصر . لكن مؤسسة كير أنكرت حدوث الحدث بالكلية ، وهو بدروه إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة لارتباطه بتاريخ الدعوة وتاريخ القرآن وتاريخ التشريع الإسلامي ، والفقه الذي اختلف أهله حول كون صفية كانت أما من أمهات المؤمنين ، ام كانت سبية للنبى لأنة عاشرها فى اليوم التالى لمقتل زوجها دون أن يستبرىء رحمها .وهكذا استغفل السيد عوض القضاء الأمريكي كما أنه أيضاً ضحك على ذقن الديمقراطية الأمريكية وقوانينها المحترمة بالاحتيال مستثمراً رقي هذه القيم الحقوقية وبالكذب الصريح ، ليشطب الحدث من الكتاب الأمريكي ، بينما تفوق الأمريكيون باحترامهم للمسلمين ولدينهم وتصديق نصبهم واحتيالهم بشفافية أمرت بحذف هذه الحادثة من الكتاب ، بل إدانة المؤلفين بالتعصب الطائفي ، وما أبشعها في أمريكا من تهمة ! ورغم علم كلا السيدين أنه بما يفعل إنما ينكر معلوماً من الدين بالضرورة ، فإنهما أيضاً يعلمان أنه بالرغم من هذا الإنكار فهو المستحب عند جماهير المؤمنين من باب تغطية العورات .
حادث رابع لا أذكر على أية قناة فضائية كان ، أنكر فيه أحد المشايخ الأمريكيين وجود الرق كمبدأ مشروع ومباح في الإسلام ، لكن الأقدار لطافاتها وأفاعليها ، فبعدها بيومين أفتى إمام مسجد البصرة الكبير بوهب الأسيرة المجندة الغربية أو العراقية أو المتهمة بالتعاون مع الأمريكان كسبي لأسرها ينكحها بحلال أجل من لبن الأم ، وله أيضاً أن يستعبدها في العمل .
أما الخامسة فهي نكتة حقيقية في حديث سمح للمستنير فهمي هويدي بأهرام 2 / 11 / 2004 الذي كتب مؤكد أن ثمة تلاعباً قد حدث في استطلاعات الرأي بين بوش وكيري يضيف صفحة جديدة إلى سجل الاحتيال الذي اتسمت به حملة الرئيس بوش من بدايتها . النكتة التالية أن بوش فاز وأن كيري أول من هنأه بفوزه ولم يشكك مطلقاً في نزاهة العملية الانتخابية ، اللهو المخفي في الموضوع أننا نسقط عليهم أمراضنا فنراهم أناسا محتالين ومزورين ، ونحن من يتجرأ على التحدث عن الديمقراطية الأمريكية ، ألا ترون أن المستنير لا يرى أين الاحتيال ؟ المهم يستطرد المستنير مردفاً : إن تدين بوش يمثل تقاطعا غير مسبوق في التاريخ الأمريكي ، حتى إن رئاسته تعد أول تجربة في تاريخ الولايات المتحدة تقوم على استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية . “لاحظوا الجملة الأخيرة” .. سيدنا هويدي زعلان خالص من بوش لأنه يستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية ويطعنه بهذا المطعن ؟!
إذن على رأي سيدهم بن لادن : “إليك يا ربي المشتكي” .
انتبه قارئي فرغم أن سيدنا هويدي هو مفلسف الدولة الإسلامية المنتظرة فإن الشيخ “يوسف العبيري” أفتى بشأنه قائلاً “الزنديق فهمي هويدي ، أنا بأقول يجب قتله أفضل” .
أنا أراهن على مثل هذا الغباء .. أراهن على غباء الدموي ، وعلى انتهازية المستنير ، وعلى وصولية المعتدل ، فهي تربيطات مفكوكة لابد ان تنتهي بتمزيق بعضها .. أرهان على أنهم سيقتلون بعضم بعضاً ، وأراهن أنهم سيداهمون أصدقاء قضايانا من دول العالم بالتفجير وقطع الأعناق ، فيستنفرون الدنيا كلها ضدهم .
أراهن على دفاعهم الكاذب المزور عن إسلام يريدونه كذلك لتستمر المنافع والسيادة على الناس ، وتطبيقهم في السر ما يكذبونه في العلن ، كما في الزواج السري لقرضاوي وخالد الجندي ومحمد جبريل والسويركي بالمرة ، فالكل تجار دين يتاجرون بالرضا والنور ، ثم يحملون الغلابة أمثالنا سيف مسرور .
قرضاوي الديمقراطي يفتي بقتال الأمريكيين في العراق ولا يطلب من ابنه محمد ترك جامعته في فلوريدا ليلتحق بالمجاهدين ، ولا من ولده الأصغر ترك الجامعة الأمريكية بالقاهرة طلبا للشهادة ، وبينما كان يطالب بمقاطعة أمريكا وإنجلترا كان له ثلاث بنات يدرسن في إنجلترا ورابعة تدرس في تكساس .
أعجبني هنا قول الدكتور أحمد الربعي : إن الشيخ قرضاوي مثل كثير من الشيوخ المتطرفين لا يموتون عادة ولا يستشهدون ، ولا يحدث ذلك لأبنائهم الذين يتعلمون في أحسن مدارس الغرب . . فالقرضاوي الذي يعيش الرغد والعز في الدوحة يفتي بقتل المدنيين الأمريكيين ، والأئمة الأربعة الشيعة الذين اجتمعوا في منزل السيد السيستاني في النجف ويعيشون تحت الاحتلال يطالبون بعدم استخدام العنف ضد القوات الأمريكية .
اللغز هنا في جماهير المسلمين الذين كانوا يؤكدون أن امريكا ستغرق في المستنقع العراقي وفي الوقت ذاته كانوا يتكالبون على شراء الدنانير العراقية بعد الغزو ، لأن دواخلهم تعلم أن العراق سيكون له شأن يرفع من قيمة عملته بالغزو . وهو خداع عظيم للنفس وكذب على الذات وعقل مثقوب معطوب ونفس تعاني مرضاً عضالاً ، نشتري الدنانير العراقية استثمارا ونعطي 96 % من أصواتنا تأييدأ لمجازر القاعدة في العراق “حسب قناة الجزيرة”؟ أترون أين مصيبتنا ..مصيبتنا هي نحن ، نحن البعيدون عن المجازر لا ينالنا منها شيء ، بل ننال الخير الوفير بالتجارة بأموال العراقيين ! وما علينا لو مات آلاف العراقيين ! وما علينا لو ذبحوا الأبرياء كنعاج ! لأننا نعلم أن كنزنا سيثمر آجلاً أم عاجلا ، إن نسبة التصويت المذكورة لصالح المجازر رسالة للعالم كله تجعلنا جميعاً أمة معطوبة تشكيلها إنسان شرير انتهازي لا تقع عليه وحده نتيجة شره ، بل تلحق بالمسلمين البسطاء الذين لا يفهمون ما يقول لهم أشاوسنا ومثقفونا سوى أن جز الرقاب هو الإسلام .
أما الأشد فرزاً لمرارة الحلق والروح فهو موقف المصريين المثقفين ضد حكومة العراق بحسبانها حكومة عميلة للاحتلال ، رغم اعتراف الجامعة العربية والأمم المتحدة بها ، والآشد إثارة للفزع هو عدم تحرك العاطفة المصرية المشبوبة والمعلومة تاريخيا في شعبنا المصري ، عندما كان المصريون يذبحون على شاشات التلفزة وأحدهم يقفز بين يدي جلاديه كالدجاجة المذعورة أمام القصاب ، والآخر يقطعون لسانه حتى لا ينطق بالشهادتين ، وهو ما يشير إلى تمكن فيروس الإرهاب من الناس ، وهي كارثة تحتاج إلى فورة إعلامية وتعليمية على طريق الإصلاح ، ولدينا يا سادة ورب العزة روشتات سبق نشرها في هذه المجلة ومازال منها رصيد عظيم لعلاج ما يحدث ، جاءت بعد جهد زمان وإفناء العمر والسنين في قضية الوطن . وقسماً بالله العظيم لا نريد منكم منصباً ولا نطمع في جاه ولا حتى شكورا ، إنما هو لوجه وطن عزيز يعيش فيه مواطن كريم .
نرجوكم سادة بلاد المسلمين لا تجعلونا نتصور – حاشا لله – أنكم تروجون لهذه العقلية وتحمون أصحابها لتوظفوها لخططكم تضليلا لشعوبكم وتجييشا لها لتتوافق مع ديمومة استئثاركم بشتى ألوان السلطة .
هل تتصورون ماذا يمكن أن يفعل العالم الحر وعلى رأسه أمريكا ؟! إن بعض دهماء مثقفينا والمعتوهين من منظرينا يتحدثون عن أبطال الفلوجة وما فعلوا أمام أعظم دولة في العالم ، دون أن يفكر هؤلاء لحظة ، لو كانوا يفكرون ، أن أمريكا كانت قادرة بالضغط على زر صغير على إزالة الفلوجة من خريطة الأرض للأبد ، خاصة بعد أن غادرها 80% من المدنيين ، لكن الحرص على بقية أهاليها الرهائن في الداخل دفع أمريكا لخوض معارك مواجهة من بيت لبيت ، بينما لديها من أدوات الفتك ما يقيها خسارة جندي واحد . . . ثم ماذا لو كانت أدوات الفتك هذه بأيدينا نحن ! ترانا ماذا كنا فاعلين؟
هل كنا إخلاصاً للسلف سنفعل فعل خالد بن الوليد في قبائل بكر بن وائل العراقية فنذبح منهم ما شئنا ترطيبا للقلب وراحة للنفس الكارهة ، أم ترانا كنا سنفعل معهم فعل سعيد بن العاص مع أهل مدينة طميسة بالإبادة التامة ؟!
سادتي أهلي وناسي ، سلاطين وعمائم وكاسكيتات وشعوب ، إن هذا العالم الذي نحاربه ونحرص عليه ونكرهه سبق وضحى بأربعين مليون إنسان ليحمي حرياته التي لا نفهمها وهم أحرص عليها من حرصنا على إسلامنا ، بل إن تاريخنا يشهد أن هؤلاء باعوا إسلامنا بعرض الدنيا في أول فرصة منذ زمن الصحابة الكرام الذين باعوا كما باع ابن عم الحسين الحفيد النبوي لقاء حفنة مال ، لكن هؤلاء القوم يبيعون كل شيء عدا حريتهم ، لقد صارعوا الشيوعية مع وجود ندية نووية وترسانة صاروخية وتكافؤ علمي حتى انتهى المعسكر الشيوعي في النهاية . وسبق أن دفعت ألمانيا لليهود على مدار عشرين سنة تعويضات هائلة ، وهيا هي ليبيا تحذو حذوها دفعا لتعويضات عظيمة ، فترى كم سندفع لضحايا البرجين عندما يبدأ الحساب ؟! وكلنا يعرف أنهم قد حصلوا على حقوقهم ويعرفون كيف يحصلون عليها وأنهم على ذلك قادرون .
فهل من عاقل فيك يا أمة العربان ؟! هل من مستمع ؟ أناديكم ولا اشد على أياديكم ، أناديكم علكم من سكرات أساطيركم تفيقون ، لأن لكل منا نسلا ، لنموت قريري الأعين ، راضين عما استطعنا حجبه عنهم من شر وما أمكننا تقديمه لهم من خير .. فهل أنتم منتهون ؟! أم أننا ننادي في قوم قد التاثوا سعارا ليقتلوا ويقتلوا ولا علاج لهم سوى الفناء ؟! وهو على قدرات أمريكا هين وليس بعسير ؟! وهو الأسهل للإنسانية جمعاء كي تتفرغ لعلومها وحضاراتها وتقدمها دون شعوب تأكل وتشرب على حساب الإنسانية وتستجدي قوتها من الأقدر ولا تصدر له سوى الكراهية والخراب ! تراكم لو كنتم مكانهم ماذا كنتم تفعلون ؟! سؤال كل منا يعرف جوابه .
د. سيد القمني
2007 / 2 /12