الآخرون
الآخرون أو The others فيلم تم تصويره في داخل الغرف ؛ ولم يكن بحاجة إلى ملايين الجنيهات لإنتاجه ؛ لأنه يقوم فقط علي فكرة واحدة ؛أم وطفليها المريضين بحساسية الضوء يعيشون في البيت المحكم المظلم منعا للضوء ؛ لا يخرجوا منه أبدا ؛ لا شيء في الفيلم بطولة سوى تأكيد هذا التوحد
و هذه الوحشة وتلك العزلة المختارة في الظروف المظلمة لأسباب مرضية قاهرة ؛ثم تكتشف الأم
و طفللاها في نهاية الفيلم أن هناك آخرين بالمنزل لكنهم لا يرونهم ؛ أحيانا يشعرون بهم ؛ من تمكن من رؤية الآخرين بهذا البيت هم الأطفال المفترض أنهم لا يرون ؛كما ترى أمهم السليمة ؛ رأوهم لأنهم كانوا أطفالا ؛ فعلموا أن البيت مسكون بأشباح الموتى ؛أما صدمة الدقائق الخمس الأخيرة بالفيلم فهي اكتشاف الأم و طفليها أن الآخرين الموجودين بالمنزل ليسوا أشباحا بل حقيقة لكنهم لا يرونها ؛ لأن الأم و أطفالها هم من ماتوا منذ زمن ؛ و أنهم هم الأشباح ؛ و أن الآخرين كانوا هم الأحياء ؛ و يسعون لطرد أشباح هذه السيدة وطفليها من المنزل ؛ كان الآخرون هم الأحياء ؛ أما الأنا فقد كان هو الميت .
أما الاكتشاف الأهم فهو أن هؤلاء الموتى عندما اكتشفوا أنهم موتى ؛ واعترفوا بذلك ؛ أمكنهم أن يشاهدوا ضوء النهار دون أن يصيب صحتهم بأذى.
أليس هذا الفيلم العجيب في شأنه المثير للدهشة كالأساطير هو تصوير لحالنا اليوم بين العالمين ؟ نحن نخاف على صحتنا العقلية و الدينية من الآخر الكافر ؛ لكننا أسرى التخلف و الظلام و نتوهم
مرضا غير حقيقي ؛ قد يصيبنا مع نور الحضارة بالأذى ؛ ليصبح السؤال : من هم الأشباح ؟؟من هم غير الحقيقيين ؟؟ الآخرون. ..من هم ؟؟ الإجابة ؛ نحن و ليسوا هم .
الأحياء هم الذين يعيشون في النهار بينما أغلقنا على أنفسنا كل النوافذ ؛ لنعيش الظلام خوفا على مأثورنا الثمين و صحتنا الدينية ؛ متوهمين أننا الأحياء وحدهم و الأصحاء وحدهم ؛ بينما نحن الأمــــــــــــــــــوات .
و يتبلور الموقف عندما ينتشر الخطاب الوعظي المشيخي الإسلامي بمعلومة تسرى بين المسلمين ؛ تؤكد أن الغرب الكافر الذي يعيش في نور العلم و نهار الحريات ؛ يريد اقتحامنا من الداخل بما يفرضه علينا هذه الأيام من وجوب عمل إصلاحاته و ديمقراطيته علينا ؛ بما تحمله من ايدز و أمراض و تفكك و انحلال و فساد و شذوذ جنسي و عري ؛ كما لو كنا نحن من يعيش النور ؛ أو كما لو كان لنا قوام أصلا يتطلب منهم بذل كل تلك المشقة لهدمه .
أو كما لو كانت مبادئ القيم هي ما يحدد للمجتمع التقدم الحضاري من عدمه ؛ بينما هي فرز هذا التقدم أو التخلف ؛ هي نتيجة و ليست سببا ؛ ولأننا نعتقد حسب مأثوراتنا إنه “إن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ” ؛ أو كما لو كانت حضارة الغرب فقط هي الجنس وحده فقط لا غير .
نحن نرى الغرب بعيوننا التي لا ترى في حضارتهم سوى الأفخاذ العارية ؛ لأننا بين الأفخاذ نركز عيوننا ؛ فيكون العيب في عيوننا و ليس في الأفخاذ .
أو كما لو كانت قيم المجتمع ثابتة لا تريم حراكا و هي المتغير الدائب بتغير البنية الحضارية التحتية المتحركة كل يوم باكتشاف و اختراع جديد كل ثانية وكل دقيقة و ليس كل ليلة .
أو كما لو كانت قيمنا التي نعتز بها و نفخر و نريق علي جوانبها الدم هي فاعلة لدينا أو لدى غيرنا في واقع الفعل و الحدث علي الأرض ؛ أو كما لو كانت قيمهم الهدامة قد فعلت فعلها و هدمتهم و جعلتهم يتخلفون عنا و نحن في المقدمة ؛ كلنا يرمى غيره بالحجر وهو بالخطيئة يعيش و يموت ؛ لأننا نخشى الفضيحة أكثر مما نخشى الفعل الكاسر المحطم لقيمنا العزيزة الغالية ؛ إننا نحن من نكسر هذه القيم
و ليسوا هم لأنها قيمنا نحن و ليست قيمهم هم ؛ نحن الفاسدون من الجذور إلى النخاع ؛ لأنهم يعملون بقيمهم و يحترمونها ؛ بينما نحن من نكسر قيمنا و لا نحترمها في الخفاء و العلن .
إن الآخر في بلاد الطاغوت يتآمر علينا بديمقراطيته الفاسدة ؛ كي يشغلنا عن حياتنا و صلاتنا و أسس ديننا ؛
و ( اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ) هو دعاء العميان في البيت المظلم ؛فيمكن أن تكون مصيبتنا في اقتصادنا لا بأس ؛أو أن تكون في حريتنا وهو أمر غير معلوم في تراثنا ولا معنى له عندنا ؛ أو أن تكون في كرامتنا المهدرة في حروبنا مع بعضنا و مع الآخرين ؛ لكن إذا تعلق الأمر بديننا فدوننا
و دونه الموت ؛ و الخراب و حرق الديار و تفجير العمار و زرع الموت بدلا من الحياة ؛ بينما رب الدين المفروض أنه صاحبه و أنه حاميه ؛يبدو واضحا بلا لبس أنه قد رفع يده من الموضوع منذ مات نبي الإسلام ؛ وترك للمسلمين شئونهم بعد أن( تركهم على الواضحة).
إنهم في بلاد الطاغوت يتآمرون علينا نحن في بلاد الرحمن ؛ بتسريب علومهم الدنيوية إلينا إفسادا لنا ؛ و أنظر إلى الداهية الدهياء ؛ إن الكتب التي سيدرسها العراقيون في مدارسهم ستأتي من أمريكا ؟؟
و الله أفلح إن صدق ؛ و إن كان ذلك قد حدث أو سيحدث فأنت ,مبخت يا عراق ؛ و ليت بلادي تنال من حظك نصيبا .
هذا الآخر الطاغوتي في بلاد الغرب ليس هو من يمكن تحديده ؛وحده بأنه آخر ؛ فمن الآخرين من يعيشون بيننا في بلادنا يعبدون الله و يعتبرونه واحدا ؛ لكنهم الضالين .. آمين .
ومنهم من يقول لا إله إلا الله و يضيفون إليها أن محمدا رسول الله و آمين أخرى ؛ و رغم ذلك فهم آخر ؛ لأنه قد شق عليهم ذبح بيت النبي فاستخدموا حقهم بتفعيل الحديث الصحيح و أضافوا الشهادتين ؛ أن الإمام علي ولى الله ؛فخرجوا من الفرقة ؛ من القبيلة السيدة الناجية ؛ أصبحوا آخر .
و قس على ذلك ؛ المرجئة ؛ المعتزلة ؛ الخوارج ؛ الباطنية ؛ المعطلة ؛ الروافض ؛ الإسماعيلية ؛ الزيدية ؛ النصيرية ؛ و بالطبع و بدون أي توضيحات المسلمين العلمانيين الليبراليين .
كلهم آخر لأنهم في سلوكهم و أفعالهم و كلامهم غير مختومين بختم التجديد الوهابي للمذهب الحنبلي المفضل من أهل السنة و الجماعة ؛ و الصحيح وحده لأن بيده جغرافية الإسلام ؛و بيديه الأرض المقدسة في الحجاز .
و هؤلاء هم الأجدر و الأولى بالتصدي لهم لتطهير البلاد منهم و الاستيلاء عليها بعد إبادتهم لتوحيدها تحت الراية الوهابية الحجازية ؛ ليضربوا الطاغوت الأكبربعد ذلك في بلاد الكفر ضربة رجل واحد؛ فيتفرق دمه بين القبائل. إن جهاد الآخر في ديار الإسلام ممن يتسمون بالمسلمين هو فرض على المسلمين جميعا ؛ و قتلهم و سبي نسائهم وركوبهن وأخذ بنيهم وبناتهم رقيقا هو الطاعة الكاملة لرب الإسلام ( أنظر مجموع الفتاوى لابن الباز – مكرر بطول الكتاب عن عمد و قصد ؛ كذلك أنظر الدر الثمين لابن عثيمين – مكرر بدوره بذات الطريقة ) .
و وفق ما تنصح به هذه الفتاوى المسلم الحقيقي ( الوهابي ) هو لزومه عدم الكف عن هذا الآخر ولا ساعة واحدة ؛حتى يصبح مطابقا بالكلية فكرا و رأيا و سلوكا و حركة و حزبا و إماما وجماعة للفرقة الناجية بالحجاز ؛ أو يقتل و تسبى ذراريه و نسائه تنهب أمواله و ممتلكاته ؛ و تدمر مقدساته و تمحى حتى تسوى بالأرض كما العتبات المقدسة الشيعية في العراق مثلا ؛ أو كمقامات السيدة زينب والحسين و المرسى أبو العباس و القنائى والطرطوشي و السيدة عائشة و السيدة نفيسة بمصر ؛ كلها يجب أن تصبح أثرا تسوى بالأرض بعد عين .
الآخر قد يكون مسلما موحدا مؤمنا حاجا قانتا فعالا للخير مناهضا للشر ؛ محبا للجمال صفة الله
و بالحق اسم الإله الجلالى ؛ لكن كل ذلك لا يشفع له ؛ و ربما دفعه هذا الإسلام المارق أن يبدع
و ينتج و يبهج و يشرف وطنه ؛ و هذا كله مصيبة في حد ذاته لأن الوطنية في كتب التوحيد السعودية هي خط كفري منقول إلينا من أرض الطاغوت ؛ لهذا لم يشفع لفرج فوده حبه لإسلامه ووطنه ؛ ولم يشفع لنجيب محفوظ تشريف وطنه بجائزة نوبل ؛ فقتل الأول و طعن الثاني .
إن الراحل فرج فوده ؛ أو نجيب محفوظ ؛ لم يكونا ضمن القبيلة ؛ ولا يستمعون لنفس الفقيه ؛ ولا يثبتون أتباعهم ذات المذهب ؛ لهذا أيضا لا تشفع للشيعة صلاتهم في مساجدهم فيفجرونهم أيام الجمعة المقدسة ؛ لأنهم غير مطابقين للمواصفات الحجازية القياسية ؛ لذلك حق عليهم الموت سلخا و جزا
و قطعا و تفجيرا ؛مع مقبلات من نوع تقطيع أوصال المندائيين و مشهيات من المسيحيين من بعض الأوردفر من الآشوريين .
مشكلة في الفكر الإسلامي متوارثة ؛ وهي إلقاء الكلام عي عواهنه دون تدقيقه و تحديد المفهوم منه . كان بإمكان العربي أن يقول لك سأمر عليك بعد العشاء ؛ فتنتظره إلى الفجر ؛ الدقة في عالم الصحراء الفسيح بلا معنى ؛ الخليفة المأمون عند قدومه مصر لقمع الثورة المصرية طلب من أحد أتباعه الصعود إلى قمة هرم خوفو ليقيس له المساحة المسطحة العليا فوقه ؛ هبط فقال له :مساحتها مبرك ثماني جمال .
الهرم الذي بني بدقة المليمتر و الجغرافيا الأرضية و الفلكية و الكونية مسطحة الأعلى مبرك ثماني جمال ؟!!
أنظر معنى المساواة المدقق بمثال شارح ” كأسنان المشط “وأئتني من تاريخ الحكم الإسلامي بمثال واحد لأسنان المشط أو ما يشير إلى المساواة كما نفهمها اليوم .ولكن يمكن فهم المعنى من نقيضه و هو ما كان المطبق في الواقع ؛ إن ما يفسر مفهوم المساواة قد تجده في معنى الآخر الذي لا يطابق الجماعة في كل التفاصيل صغيرة أو كبيرة .
غير مسموح بأي مخالفة حتى فيما تأكل من أصناف الطعام ؛ رغم أن أهل النعمة في الحجاز قد ذهبوا مع النفط إلى مطاعم الخمس نجوم ؛ و تركوا البركة لنا في الثريد ؛ و أن نتأدب بآداب المائدة الإسلامية ؛فتضع يسراك تحت فخذك الأيسر لأن لها وظيفة أخرى تستخدم في الخلاء ؛ و تسم الله ثم تأكل بيمينك ؛ و تأكل مما يليك ؛ و تمص الماء مصا .
ملبسك ؛ شعرك ؛ نعلك ؛ قولك ؛ كله يجب أن يكون مطابقا للمواصفات الحجازية القياسية .
مع الوهابية لا مجال لنصحك بمطابقة فكرك بفكر الجماعة ورأيك برأي الجماعة ؛ لأنه غير مطلوب أن يكون لك رأي ؛ أو أن تفكر أصلا ؛ فكل شيء منصوص عليه في الشريعة ؛ وضعه الله وجاء في السنة ؛ و أحكمه الفقه ورتبه وزاد عليه ؛ و دعمته الفتوى على تضاربها تأتي من كل فج عميق .و بعد كل هذا تريد أن تفكر ؟! إذن فقد هلكت يا غر يا مفتون !!!
إن الله الذي هو الأدرى بمصلحتك قد قنن لك ووضع سره و علمه عند مشايخ الإسلام ليعفيك من مهمة التفكير المزعجة ؛ وأنت لست أفضل من السلف الصالح صحابة الرسول الأتقياء الورعون المؤمنون المبشرون بالجنان ؛ و بقية الصحابة و التابعين ؛ و تابعي التابعين .
و لأنهم كانوا كذلك ؛ وقعت كل ألوان الفتن مبكرا ؛ و كانت القلاقل و الحروب هي القاعدة الدائمة ؛ لأنه كان طبيعيا أن يفكر الصحابة في شئون ما بعد توقف الوحي و موت النبي و طوارئ الفتوحات ؛
و عندما فكروا أصبح كل واحد بفكره مخالف لزميله ؛ أصبح آخر برأيه الجديد ؛ و من هنا حق قتاله
و قتله .
و لهذا أسموها الفتن ؛ فقالوا الفتنة الكبرى لعدم التمكن من تحديد الجاني من المجني عليه ؛ فكلهم صحابه كرام ؛ وقالوا الكبرى لأنه كانت هناك فتن صغرى ؛ بدأت بالسقيفة ؛ وشن الحرب علي مانعي الزكاة .
و جاء بعدها فتن أيضا استباحت مدينة الرسول و هدمت الكعبة وأحرقتها .
رغم أن اتخاذ الأمر بالقتال تقوم به و تشنه الفرقة على الأخرى منذ الخليفة الأول ؛فإن تحديد من يكون هو الأنا و من هو الآخر كانت تتوقف على من يحسم المعركة لصالحه فيكون المهزوم هو الآخر الكافر .
يصبح هو الفرقة الباغية ؛ وقد بغت لأنها قد فكرت و رأت لنفسها رأيا في الدين أو الدنيا والدليل علي بغيها هزيمتها و ذلها ؛ و كان يمكن ألا تحدث الفتن و يمر كل هذا بسلام لو لم يستخدم الدين من كل الأطراف المتحاربة ليصبغ شريعته علي الأنا و يسلبها عن الآخر .
فكل شيء منصوص عليه و التفكير يتم فيما هو غير منصوص عليه ؛ و لم يكن موجودا زمن تواجد الوحي ؛ لم يكن عليه التفكير كان عليه التزام الموجود قديما و لا عليه من أحداث الواقع المتغير ؛ فلتتغير ؛ ومالنا ؛ و ما علينا ؛ إن فكرنا بغينا ؛ مما يتطلب القتل و الجز و السلخ .
إن أم المؤمنين عائشة الحميراء التي نأخذ نصف ديننا عنها ؛ هي من حرض على الفتنة الكبرى مستندة إلى قدسيتها الدينية و باعتبار ما تفعله هو صحيح الدين ؛و كانت تنادى المسلمين بقتل عثمان لأنه قد (كفر)؛ أو بنص ندائها :” اقتلوا نعثلا فقد كفر ” .
و بعد قتله قامت تطالب بثأره ثأرا للدين من الإمام علي ؛ فوقع ألوف المؤمنين قتلى حول جملها و هي لا تعبأ بمن مات أو من عاش ؛ و كان عثمان يرى أيضا أن رأيه من رأى الله و أن الخلافة قميص سربله به الله لا يخلعه لرغبة المواطنين ؛ المحتجين ؛ و علي كان يرى أنه على الواضحة السليمة الإيمانية بلا شك .
عندما فكر المسلم لم يعد يتطابق مع فكر المسلم الآخر ؛ و التطابق لابد أن يماثل و يطابق الأصل القدسي ؛ لذلك عندما رأى المسلم رأيا بعقله واعتبره دينا ؛ و غيره ليس كذلك ؛ غيره آخر ؛ و بما أن الجميع حاول بفكره أن يقول أن ما يقوله هو وحده المطابق للشرع ؛ فإن النتيجة كانت لابد أن تكون حربا من أجل الدين ذاته .
من هنا أصبح اختلاف الرأي ناتجا عن التفكير ؛و من هنا أصبح أي تفكير باعثا على الاختلاف عن الأصل ؛ لأن المشترك بين الجميع كان نصا واحد يريد كل منهم أن ينتصر به لقضيته .
لذلك جرت الفتن مع الدماء انهارا عندما جعلوا من شئون الحياة و السياسة التي هي من خصوصيات البشر خصوصيات ربانية .
و هو ما يفسر لنا ظهور النظام الديمقراطي البدائي لدى الشعوب الوثنية كما كان عند الرومان قبل الإسلام بقرنين و ألف من السنين ؛ لأن رجال الدين كانوا أفرادا عاديين و أفكارهم و آراءهم و سلوكياتهم لم تكن أمورا مقدسة أو ملزمة ؛ فكانوا أحرارا في حياتهم يصوغونها كما شاءوا .
أما مجتمع المسلمين بإصراره علي مطابقة النسخة الأصلية و اعتقاده بصحة هذه المطابقة و كفر غيره ؛ فقد تحول كله إلى مجتمع الآخرين .كل منهم آخر ؛ كل مخالف أخر ؛ كافر يلزم قتله ؛ فهو من الفرقة الهالكة و القاتل هو من الناجية .
غاب الفكر الحر ؛ وغابت معاني الحقوق الإنسانية ؛ غابت الديمقراطية التي كانت مهمتها تجادل الآراء للاتفاق علي رأى واحد يتفق عليه الجميع ؛ وبقى الفكر الديني وحده الذي فرق المسلمين فرقا
و شيعا و قتلا وذبحا و تقتيلا في سبيل الله ؛ و الله من كل هذا براء .
عند المسلمين غابت آلية الحوار و آليات إصدار القرار ؛ و آلية سيادة رأي الأقلية ؛ و غابت آليات تنظيم الدولة دستوريا ؛ فتميز تاريخنا بالحروب الداخلية و الفتن ؛ و قتل الحكام سبيلا وحيدا لتبادل السلطة بدلا من الانتخاب و الاستفتاء .
كان الرومي يجمع المواطنين تحت مظلة المساواة دون عبارات إنشائية “كأسنان المشط” وفق قانون مدني اتفقوا عليه و تعارفوا و قبلوا جميعا به . أما القانون الإسلامي الشرعي فيطرد حسب كل فريق جميع الفرق الأخرى فمزق المجتمع و تحول علي يد أصحابه من نعمة مهداه إلى نقمة و معاناة دائمة .
تعريف الآخر عندنا لم يصدر به بيان لكن تستشفه من فعلنا و أي قوانين نمارس .
أشهد ألا إله إلا الله و محمدا رسول له؛ لم تعد تكفي لإثبات صحة إسلامك اليوم؛ لابد أن تشهد بصدق بن عبدالوهاب وبن البنا و بن قطب و بن عاكف وبن قرضاوى وابن هويدي ؛وابن الغنوشي وابن الترابي أصبح شرط الإيمان بقدر مطابقته لما يري المستبدون علي الجماعة الزعيمة ؛ أن تكون عضوا في الشلة أو العصابة ؛ كان هذا هو منطق العربي في الجاهلية .
القرآن اعترف بالآخر و قال أن تلك إرادة إلهية و أنه جعلنا قبائل و شعوب لنتعارف و نتعايش بسلام مع الآخرين ؛ بينما فهم المسلمون أن المساواة أن تكون نسخة كربونية تطابق قوما ماتوا منذ أكثر من ألف عام ؛ وأن نتبعهم في كل تفاصيل و دقائق حياتهم . فيكون الحي قد عاد إلي زمن مات ليموت هناك و جسده حي بيننا ؛ ودون أن يحيا الميت المطلوب استعادته بالفعل؛ لم يأت ليحقق لنا معجزات تحققت في زمنه بالعزة بعد المذلة .
إن مشهد الواقع الإسلامي الآن و خاصة منه العربي ؛ يشير إلى أشباه بشر في قاع الأمم المتخلفة ؛ مما يؤكد أن السلف الذي استدعيناه ليس بإمكانه استيعاب زماننا ولا فهمه ولا كيف يعيش فية..و هو
و الموت واحد؛ و يبقى الحي منا في القرن السابع الميلادي ..بينما من يشق المستقبل نحو النور في الزمن شقا..هو الآخر الملعون في بلاد الطاغوت.
…1… دراسة – الآخرون
Please follow and like us: