مسيلمة الكذاب بعد التحسينات !!
في عام الوفود شاهدت العرب بأعينها ما حققته النبوة من سيادة لقريش على العرب ، ورأت أهل الدعوة ورفاقها الأوائل في العيش الخشن الشظف من قبل يربطون الحجر على البطون جوعا ، ثم شاهدتهم عام الوفود بعد سلسلة حروب دولة المدينة لإخضاع العرب ، وهم في حال غير الحال بعد أن جاءتهم الغنائم والسبايا والفيء والعبيد والثراء بالسلطان على العرب ، أو جاءهم السلطان بها . ضمن هذه الوفود كان وفد بني حنيفة ، وبينهم سيد فيهم يدعى مسيلمة يسترونه بالبرود مكرمة لشأنه ، ولا يسجل التاريخ على وجه الدقة ماذا حدث في هذا اللقاء مع النبي ، وتختلف كتبنا التراثية في رواياتها حول لقاء مسيلمة للنبي من عدمه ، فمنها ما تقول إن بني حنيفة التقوه وكان فيهم مسيلمة ، ومنها ما تقول أن بعضهم التقاه بينما ظل مسيلمة في رحالهم . لكن مسيلمة هذا سيبصبح شأنه شأناً ، فما أن عاد إلى اليمامة حتى أعلن في بني حنيفة أنه نبي مثل محمد يوحى إليه ، وأنه قد ” أشرك معه في الأمر ” والأمر أي السيادة ” من الإمارة ” ، وأرسل إلى النبي محمد (ص) رسالة بهذا المعنى تنتهي بجملة واضحة المعالم والبيان ، إذ يقول بعد الإعلام بشراكته في النبوة ، وفي الأمر ، بشراكة ثالثة هي الهدف وهي الأهم ترد ضمن مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والراشدي ص 305 : “رسالة مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ، أما بعد فإني قد أشركت معك في الأمر ، وأن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً قوم يعتدون ، والسلام عليك ” . وفي رواية “ولكن قريشاً لا ينصفون “، وفي رواية “لا يعدلون “.
وكان رد النبي محمد بليغاً فصيحاً واضحاً في صرامة هادئاً في قوة ، إذ كتب له يقول :
” بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عبادة ، والعاقبة للمتقين ” .
ولم يكتف النبي محمد بهذا الرد الذي يحيل الموقف لمن سيمكنه حسم المعركة العسكرية لصالحه ، وهو من سيكون الصادق نبوة وملكاً ، فأرسل إلى اليمامة صحابي اختاره لهذه المهمة العسكرية الدقيقة هو ( نهار بن الرحال بن عنفوة ) لينسل إلى من بقى على إسلامه باليمامة ليشدد من عزائمهم ، وأن يشغب بهم على مسيلمة ، وأن يعيد من اتبع مسيلمة إلى الإسلام .
وكان نهار بن عنفوة قد هاجر من مكة إلى يثرب راغباً في رسول الله ، وقرأ القرآن وتفقه في الدين ، وكان ذكياً حاد البصيرة ، ولهذه الصفات اختاره النبي لهذه المهمة الصعبة . لكن ( بن عنفوة ) كان فتنة على بني حنيفة أعظم من فتنة مسيلمة نفسه ، فما انـّسل إلى هناك حتى رأى سواد بني حنيفة يتبعون مسيلمة ويوقرونه ويقدسونه ، وقارن بين القوة العسكرية في اليمامة والقوة العسكرية في المدينة ، أقوى جيش عرفته الجزيرة هو جيش المسلمين الذي فتح مكة كان عشرة آلاف ، وتبعه جيش المسلمين أيضاً في وقعة هوازن وكانوا ثنتا عشر ألف ، أما مسيلمة فقد جمع في سنتين فقط ستين ألف محارب ، بينما مكث محمد ثلاث وعشرين سنة حتى تمكن من تكوين جيش قوامه ثنتا عشر ، و ما أن استكشف ابن عنفوة اليمامة حتى ذهب إلى مسيلمة يعلن له وللمؤمنين به أنه جاء يعلن شهادته لمسيلمة بالرسالة والنبوة ، وأن محمداً قد اعترف له أن مسيلمة قد اشرك معه في الأمر وفي الرسالة .
تقول الروايات أن الناس اقبلوا حينذاك على ( بن عنفوة ) الذي أصبح المسئول الديني والمستشار الخاص لمسيلمة ، يحمل كل أسرار المسلمين معه إلى جيش اليمامة الجرار ، لقد قرر ( بن عنفوة ) أن ينتصر بمسيلمة وبجيشه وبما لديه من معلومات استخبارية مباشرة ، طامعاً في أموال بعيدة يعد بها محمد المسلمين قائلاً : ” والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسرى وقيصر ” .
هو حلم التاريخ عندما تنهار الأمم فتتفكك كالروم والفرس وتنهكها الحروب لتترك في المكان منخفضاً في ضغط القوة يحتاج لرفع قوي يملأه ، وكان العرب يعرفون ذلك ، ولذلك توجهت الجيوش الإسلامية نحو الشمال الرومي تخضع وادي القرى وما حوله وتأخذ جزيته مخصومة من دخل الروم ، كان المشهد واضحاً لابن عنفوة ، فترك نبي الأمة وهو الصحابي المختار ليلحق بعدو الإسلام ، ليحقق لنفسه هناك مكانه دنيوية لكنها أيضاً روحية . هذا رغم اختيار النبي له لاشك كان بوحي فالسـُنة يقدسون كل فعل وقول نبوي لأنه ما كان ينطق عن الهوى ، فاختاره الله ونبيه فخدع الله ونبيه .
في عامين فقط تمكن مسيلمة من حيازة القبول – وهو الكذاب – لدى ستين ألف محارب إضافة لغير المحاربين مع أسرهم ، وكان مطلبه واضحاً بلا تخابث ” نصف الأرض ” ، تمكن في سنتين من خداع هذه الأعداد الغفيرة وكلهم يؤمن برسالته ، ليأخذوا من قريش نصف الأرض .
ومات نبي الإسلام وقد ظهر في الجزيرة من المتنبئين طليحة الأسدي وسجاح والأسود العنسي وبالطبع مسيلمة ، وتفشى أمرهم وانتشر مما قاد خليفته أبي بكر إلى خوض حروب طويلة وعسيرة خاصة أنه كان يحارب على جبهة أخرى من امتنعوا عن أداء الزكاة ليثرب حرباً طاحنة ضروس . ولم تكن تلك المشكلة الحقيقية رغم شدة خطورتها على الدولة الطالعة ، إنما كانت المشكلة التي حلت بالجميع هي ماذا يفعلون بعد موت نبيهم وقائدهم وقاضيهم الذي كان على اتصال بالسماء يأتي بتوجيهاتها للمسلمين في كل شأن ، ولم يأت النبي بما عنده ولا أجاب بعقله وفكره إنما عندما كان يـُسأل كان ينتظر الوحي يحمل إليه الإجابة . وفجأة تجد الأمة نفسها في حال فطام قهري من توجيهات السماء وإشرافها . وقد تمكن أبو بكر ببراعة وإتقان من حسم كثير من القضايا كانت تستدعي نبي الأمة وهو غير موجود ، فأوجده أبو بكر ، أحياه بإحياء حديثه ، وانتهى الصراع على الرئاسة بحديث ” الخلافة في قريش ” وهو حديث لم يروه سوى أبو بكر . ومثل حديث ” نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ليحسم الموقف من البيت النبوي ، في شأن يخص ميراث فاطمة بنت النبي ، فأعلم النبي أبا بكر ولم يعلم ابنته الأثيرة . كانت الأمور بحاجة إلى مثل هذا الحسم لتخليق رتبة تقف بين رتبة النبوة ورتبة المؤمن العادي ، تتقدس قراراتها وفعالها ، وهو ما فعلته الفرق الإسلامية كل لأهلها .
فللشيعة بشر مقدسين وكذلك للسـُنة ، وإن قدس السـُنة الصحابة بلا استثناء بينما مايز الشيعة في مساحة القدسية عند كل منهم .
المهم أن الصحابة وبخاصة الخلفاء الأربعة الأول قد تقدست فعالهم ، لأن الدولة في نشأتها كانت مقدسة على يد نبي مقدس ، استقت حكمتها وشريعتها ومواقفها الدبلوماسية والعسكرية من قرارات السماء التي كانت تصل بانتظام ، وبإختفائه وحتى يحظى أي قانون جديد بالشرعية كان لابد أن يكون القانون صادراً عن جهة مقدسة يتقدس بسببها . ومن ثم تحولت قرارات الخلفاء التي أقاموها على أساس مصالح دنيوية وخطط عسكرية وأحياناً مصالح شخصية بحت ، تحولت إلى مقررات مقدسة ، فوقف الإمام في مرتبة وسطى يمكن بها أن يكون نصف نبي . فلم تعرف الدولة الناشئة معنى المؤسسات ولم تر ضرورة لإقامتها ، فلا هيئة يمكنها أن تشرع ولا هيئة محاسبية سليمة ولا إدارات ترتب اعمال الدولة حسب التخصصات ، كانت الدنيا سهلة بسيطة في عالم البداوة ، فإن اتسعت رقعة الدولة احتاجت شيئاً غير سلامة الضمير وغير بركة الصحابة ، لهذا سقطت دولة الراشدين لولا معاوية الأموي الذي استلم الشام منظماً مرتباً في هيئات ومؤسسات تعمل منذ مئات السنين ، فعلق عليه اليافطة الإسلامية الأموية بدلاً من الرومية .
وعندما قرر معاوية تكليف من ينوب عنه في إمامة الصلاة كان قد قرر فصل الدين عن السياسة ، لكن ليتضخم شأن أنصاف الأنبياء وينمو مع حاجة السلطة الجديدة لشرعيتها الدينية ، بإختراع الحديث ، وبإختراع الفتوى ، ليصبحوا بالنسبة للسلطة وتصبح السـُلطة بالنسبة إليهم من لزوم ما يلزم لبعضهما البعض . وهو ذات ما فعله مسيلمة من قبل عندما أراد اقتسام الأرض مع قريش ، أيام مسيلمة كان بإمكانه إدعاء النبوة ، لكن بعد رسوخ الدولة وسطوتها وسطوة الإسلام ما عاد ممكناً لأحد الإدعاء بالنبوة بعد خاتم الأنبياء والمرسلين ، أصبح ممكناً فقط التجديد في الدين وصار كل صاحب رأي ووجهة نظر مدعومة بالقوة أن يفرض وجة نظره بإعتبارها الإسلام الصحيح ، بعد أن تمت إعادة اكتشافه وتجديده ، فمحمد بن عبد الوهاب عند أهله هو الفقيه المجدد للمذهب الحنبلي ، وهو التجديد الذي لا يرى في المسلمين فرقة ناجية سوى فرقته وحده ، بل ويشرع قتال وقتل وسبي المسلمين من غير مذهبه كالشيعة الإمامية مثلاً وهي أكبر فرق الشيعة . عندما يقدس بشر وجهة نظره وفهمه لمعنى النص الديني ويكفر كل ما عداها ، يكون قد جعل من رأيه ديناً جديداً ، هى حكاية مسيلمة وابن عنفوة تتكرر ولكن بزي إسلامي تنكري . لقد أنزل الله ملائكته تنصر الدين الأول وها هي تفجر البترول لتنصر الدين الثاني . تراه ماذا كان فاعلاً مسيلمة الكذاب لو كان بيده تلفزيون مذياع ؟
آمن به الألوف في سنتين فكم بالحري يؤمن به لو كان نجماً من نجوم القنوات الفضائية ومشايخ الفديوكليب كالحوينى وخالد الجندى وخالد عبد الله؟ لن يفعل أكثر مما يفعلون الآن وبالضبط .
كل ما في الأمر أنهم ما عاد بإمكانهم اختراع نبوة جديدة وإلا مرقوا من الدين وحق عليهم الحد ، لكن بإمكانهم اختراعها تحت عنوان : التجديد . ويا ليته كان تجديداً بقدر ما هو تشدد وأصولية وصرامة ومحافظة يمينية وفعالة في تطرفها وتشددها ونصيتها وحرفيتها وطقوسيتها .
إنهم اليوم يدعون أتباعهم ليس ليأخذوا نصف الأرض في هوجة الحرب على الإرهاب ، بل ليأخذوا كل الأرض بالانتحار وقتل الشيعة والأكراد والمندائيين والمسيحيين والغربيين والعلمانيين . وبالطبع سيكون نصيب المقاتل إما جنة عرضها السماوات والأرض ، وإما نصيب في حكم العالم وغنائمه عند التمكين ، لأنهم هم من ضحوا من أجل الدعوة الجديدة ، ومثلما كان يأخذ أتباع مسيلمة سيأخذون ، وكلما كان الدعم من رجل في حجم ( ابن عنفوة ) وشأنه أو خاد الجندى وسمته اللحوم كلما كان التأثير أفضل ، ومن لم يتبن المذهب أو الدين أو التجديد الصحيح الوحيد لن يشارك في جمع غلة محصول الأرض وليس له فيها نصيب ، وذلك بتحديد المستفيدين من السلطان المنتظر وطرق توزيعها منعاً للزنا دقة والرافضة وغيرهم من تصنيفات .
إن رجالاً ممن حفظوا القرآن وتفقهوا في الأزهر يقولون ما قال نهار الرحال بن عنفوة ويفعلون ما فعل مسيلمة ، فابتدعوا في الإسلام ما لم يكن فيه ، فقدسوا بشراً غير مقدسين ، ورفعوا من قدر أحاديث واجتهادات بشرية وفتاوى إنسانية إلى رتبة القدسية النصية التي كانت الأسس التي قام عليها علم الفقه كله . لتصبح سيرة الخلفاء محل حيل وتبريرات فقهية بما لا يمكن تبريره ، وكلها إضافات مبتدعة منذ بدأت أول خط لها باللغة العربية ، فكلها لم يكن وراءها وحي سماوي حتى تتقدس .
اللطافة هنا أن بعضهم لا يرى شيئاً غير طبيعي وهم يسبغون القدسية على بعضهم البعض دونما حساب ، فهذا مثلاً الدكتور عصام العريان يرى رأي اليقين إن وجود الإخوان المسلمين اليوم في مصر وما يقومون به إن هو إلا تحقيق للحديث النبوي ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها ، ولا أجد أفضل من الإخوان ينطبق عليه هذا الوصف في هذا القرن . ” – حوار مع شفاف الشرق الأوسط
ها قد وصل المجددون ، وهم ليسوا مجددين اعتياديين ، إنما هم اختيار رباني لتجديد دينه على أيديهم ، الإخوان هنا لن يكونوا مجرد مشاركين في عملية الإصلاح ، بل تم اصطفائهم باختيار سماوي ، اصطفاهم الله كما سبق واصطفى نبيه ، من منهم هنا يمكن أن نرى فيه ابن عنفوة ؟ ومن يمكن أن يكون مسيلمة ؟
ابن عنفوة ورجاله في العراق يصرون على استوزاز التعليم والإعلام ليبشروا بدينهم ، بتحويل الإنسان المولود حراً إلى عبد آلي يتم تحريكه بالكلمة والإشارة ، بلا إرادة ، معدوم الشخصية ومعدوم القدرة على التفكير واتخاذ القرار ، يسأل الفقيه في كل خطوة يخطوها ، لا يعرف لغة الحوار ، لا يعرف سوى السمع والطاعة ، ويطلب من غيره أن يكون مثله نموذجاً في الخضوع لا يجادل ولا يستخدم عقله ، لأن الدين الجديد يقول إن ما حدث زمن الدين القديم هو دعوة صالحة لكل زمان ومكان ، وإن السلف لم يترك شيئاً دون تقنين واضح للخلف ، لأنم كانوا يعملون برعاية الله الذي خلقنا ويعلم ضرنا من نفعنا .
أصبح المسلم اليوم مشلول القدرات ضامر التفكير لعدم استخدام عقله ، ويتحول الأمر بإلتزام النظام والقانون ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” إلى أمر بالخضوع التام والمطلق .
كلما كنت غبياً وأكثر نفوراً من الحرية ، وأكثر رغبة في العبودية ، وكلما ناهضت حقوق المرأة وكلما تعصبت ضد الأقليات أو أي آخر كلما كنت مؤمناً نموذجياً . كلما صرخت في المظاهرات حرصاً على عفة مسلمات فرنسا والنرويج إذا خلعن النقاب كلما كان إيمانك أكثر ثباتاً وإثباتاً .
الدين الجديد هو ذات القديم ، التجديد بالترديد ، أن تفكر كما كانوا يفكرون وتتحرك كما كانوا يتحركون . المؤمن الحقيقي هو من يرى بعيون الأموات ويسمع بآذان من هم في القبور ، و يتطابق المؤمن الحي مع المؤمن الميت ، ولأن الميت هو الأصل وليس التقليد ، فإنه يكون قد تم إحياؤه وهو من كان يعيش في القرن السابع ، لنطلب منه أن يعيش في القرن الحادي والعشرين ، تحول الحى إلى ميت وهو المطلوب ، بينما الميت لم يحيي حقاً ولا حتى وهماً ليحقق النصر للمسلمين وهم أذلة .
مسيلمة عاد بعد التحسينات بثقافة تمجد أبطال الصحراء الذين سبق وفازوا بكل الأرض على كل من طلب المناصفة ، عاد يمجد السادة المنتصرين على بلادنا المفتوحة ففازوا بها فيئاً وبالنساء سبياً حتى أن من كان يربط الحجر على بطنه من الجوع في بداية الدعوة ، مات وذهبه يكسر بالفؤس.
لقد وضعوا أنفسهم هذه المرة موضع الرسول ، الرسول كان لا يناقشه أحد ، لأنه ما كان ينطق من نفسه فإن هو إلا بشر مثلهم يحمل لهم إجابات السماء ، وسادة اليوم لا يقبلون المناقشة ومن يناقش أو يجادل أو يطرح رأياً جديداً مثل رأيهم الجديد هو كافر بإطلاق ، كل من يناقش أو يعترض منافق أو كافر أو كليهما لأنه إنما يناقش أوامر الله ، وهم اليوم تحولوا من أنصاف أنبياء إلى أنبياء . جعلوا المسلمين كالسلف في الطاعة رغم اختلاف الزمان والمكان ومدى قدسية الشخوص ، جعلوا المسلمين آلات مطيعة لا تفكر لأنه لا فكر يعلو على الفكر الإلهي . موهمين بخلط الزمان بزمان آخر لا يعرفه والمكان بمكان آخر لا يعرفه ، وبمشايخ اليوم الذين لا يرقى أحدهم لرتبة تابع من التابعين مستندين إلى قرار أبي بكر الالتزام بالكتاب والسـُنة ( بالأحرى صحيح السـُنة وهو المختلف عليه ) لإعادة الأمة إلى مهد الطفولة ورضاعة السماء . وأيامها كان أمام أبي بكر قبائل بلا خبرة ولا معرفة في أي شأن ، لا يجيدون سوى السيادة ، فأطلقهم على البلاد المحيطة بالجزيرة يمارسون عليها السيادة ، أما اليوم فيطلقونهم لأنهم لا يجيدون سوى القتل !!
جماعات اليوم الإسلامية على أشكالها ترى نفسها الوريث الشرعي ( كل منها الوريث الشرعي الوحيد ) لهذا التراث الخليفي بمبادئه التي قام عليها وأنها الأمينة على تنفيذه . فالتزمت النص بحرفيته دون وجود النبي والوحي لينسى ويبدل وينسخ ويرفع . لقد عفى الأمة إبان وجوده من مهمة التفكير فلما مات قرر الخلفاء استمرار هذا الإعفاء . وهو أيضاً ما يتكرم علينا به دعاة الأسلمة المعاصرين حتى أمسى التفكير مطلباً إن طلبته من الأمة تكون كمن يهينها !!
د. سيد القمني
2007 / 2 /15